كنا نسمع كثيرا عن حالات انتحار النساء في دول عربية لاسيما في شمال افريقيا ، او في اوربا للتخلص من قساوة الحياة او احتجاجا على حيف اصابها. لكن هذه الظاهرة كانت غريبة في العراق وتكاد تكون معدومة قبل الاحتلال الامريكي في العام 2003.
واصبحت هذه الظاهرة مرضا في جسد المجتمع العراقي وحالة تلجأ اليها المرأة ، حالها حال باقي الامراض التي ضربت المجتمع العراقي بشكل مخيف في ما يطلق عليه البعض زمن الحرية الكاذبة.
رغم ان الانباء تشير الى اتساع ظاهرة انتحار النساء في العراق بشكل كبير ، الا انه لا توجد ارقام دقيقة او احصائيات رسمية تسجل هذه النسبة ، لكن المتفق عليه ان هذه الظاهرة حدثت بشكل مخيف في جميع المحافظات مع ارتفاعت نسبتها في المحافظات الشمالية ، وسط تكتم شديد حول اسبابها ، وذلك للاعراف الاجتماعية والقبلية التي لا تزال مُستحكمة داخل المجتمع العراقي.
وتتناقل وسائل اعلام بين الحين والاخر انباء عن حالات انتحار متكررة لنساء عراقيات ، بعضها ينتهي بانقاذ من حاولت الانتحار والبعض الآخر بوفاتها ، إلا أن الثابت في هذا الأمر هو عدم توفر اية احصاءات عن أعداد تلك الحالات.
وحاولت الوكالة الوطنية العراقية للانباء /نينا/ تسليط الضوء على بعض حالات الانتحار بحثا عن الاسباب الكامنة وراء اقدام نساء من مختلف المحافظات على الانتحار ، المحرم شرعا والمنبوذ عرفا.
لكن اللافت للنظر ان هذه الظاهرة لم تقتصر على النساء العراقيات داخل العراق ، بل شملت نساء غير عراقيات منهن لاجئة سورية في أربيل اقدمت على الانتحار ، واخرى فتاة سورية /كردية/ تقيم مع اسرتها في مخيم للاجئين في شمال العراق ، انتحرت بتناول كمية من العقاقير الطبية ، دون الإشارة الى أسباب الانتحار.
وكانت امرأة أقدمت على إحراق نفسها في قضاء كلار التابع لمحافظة السليمانية ، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة ، اذ أفاد مصدر طبي في مستشفى قضاء كلار ان امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً من سكنة حي شورش بقضاء كلار ، أضرمت النار في نفسها " لأسباب اجتماعية ". وأوضح المصدر " ان امرأة اخرى حاولت إنقاذها وإخماد النار المشتعلة في جسدها لكنها عجزت عن ذلك وأصيبت بحروق في يدها ".
من جانب اخر تقول المواطنة زهراء جواد انها حاولت الانتحار بالعقاقير الطبية بعد ان فرض عليها الزواج من ابن عمها وتم انقاذ حياتها بعد نقلها الى احدى المستشفيات.
اما المواطنة نهى مصطفى فقد حاولت هي الاخرى الانتحار وفشلت بعد ان تلقت نبأ عدم حصولها على درجات لا يؤهلها للالتحاق بكلية الطب.
وانتهت حالة انتحار ثالثة بالوفاة ، تحدثت عنها المواطنة وداد صفاء وهي تتذكر قصة جارتها الشابة التي كانت تسكن مع ذوي زوجها وتعاني الأمرّين جراء سوء معاملتها من قبل الزوج وذويه وضغط اهلها عليها لكي لا تطلب الطلاق تحاشيا لنظرة المجتمع للمرأة المطلقة ، الامر الذي انتهى بانتحارها.
في هذا السياق يعزو مختصون في علم النفس الاجتماعي اسباب تكرار حالات انتحار المرأة الى هشاشة وضعها داخل المجتمع.
ويشير الخبير محمد عبد الحسن الى أن عدم امتلاك المرأة حق اتخاذ القرارات المهمة في حياتها في ظل استمرار سيطرة العائلة ، يفرض عليها القبول بالكثير من الامور التي تخالف رغباتها الأمر الذي يخلق منها انسانة ذات شخصية ضعيفة.
فيما رأت الناشطة في حقوق الانسان امل حنين لـ/نينا/ ، ان عدم اندماج المرأة في المجتمع العراقي بشكل سليم ويوازي حقوقها ومكانتها ، هي التي تدفعها الى اللجوء الى الانتحار . وقالت ان " المرأة كائن ضعيف وحنون وصبور يحتاج الى معاملة خاصة جدا ، اذ انها لا تنظر للامور بالبعد الذي ينظر اليه الرجل " مشيرة الى ان المجتمع الشرقي بشكل عام والعراقي بشكل خاص لا يعرف هذه الحقيقة.
واوضحت ان " الحالة المعاشية الصعبة التي يعيشها المجتمع العراقي ساعدت في ارتفاع نسبة انتحار النساء في العراق ، اذ ان المجتمع العراقي من المجتمعات التي تحتضن اعلى نسبة من الارامل والايتام بسبب الارهاب والعمليات العسكرية واللاتي لا يستطعن ان يوفرن لقمة العيش لاطفالهن ".
ودعت حنين ، مؤسسات الدولة والمنظمات المدنية المعنية بالمرأة الى ان تكثف من التوعية من خطورة هذه الظاهرة ، وخطورتها على بنية المجتمعات لاسيما المجتمعات الشرقية الملتزمة بالقيم الدينية ، مشجعة المرأة العراقية على الانخراط في العمل السياسي من اجل انتزاع حقوقها كاملة وتوفير المناخ المناسب للمرأة العراقية بشكل يؤمن راحتها ويحسن من مستواها.
وهذا الامر ما اكد عليه رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ، الذي دعا المرأة العراقية الى المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة ، مشيرا الى موقع المرأة المتميز في الشرائع السماوية او القوانين الوضعية.
وثمن " دورها البارز والمضحي في المجتمع العراقي كمرأة عاملة وربة بيت ومربية عظيمة ".
وقال " ان مسؤوليات أساسية وخطيرة تواجه المرأة في تحديات الحياة المتنوعة ، وهي تحول دون ان تنطلق بمدياتها القصوى ما يتطلب الدعم والاسناد لها " مشددا على ان إسناد المرأة هو انتصار للحياة والمجتمع بشكل كامل.
وأكد النجيفي " ان هناك أمثلة عظيمة من النساء العراقيات ساهمن في بناء الدولة والمجتمع ، كما ان الرسول الكريم محمد ( ص) والإسلام العظيم أولى المرأة مكانة سامية فهن شقائق الرجال ، وما أكرمها الا كريم وما أهانها الا لئيم ، هكذا هي المرأة في عرف الدين الحنيف ، وهذه المفاهيم والعبر جوهرها دعوة حقيقية الى إعطاء المرأة حقها ومكانتها وصيانة كرامتها ".
وتابع :" ان المجتمع يرنو الى حياة كريمة تحترم فيها حقوق المرأة في الحياة السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية مع إعطاء فرص متكافئة لها مع أخيها الرجل ، فالدستور أعطى المرأة حقوقا لكنها ما زالت في انتظار تطبيق جاد لها في الوزارات ومؤسسات الدولة ، ذلك ان المرأة قادرة على التصدي للمهام الصعبة ولنا ان نستذكر ان دولا ترأسها النساء وان برلمانات كثيرة تقاد من قبل نساء أيضاً ".
وفي السياق ذاته دعت عضو لجنة حقوق الانسان النيابية اشواق الجاف ، في بيان ، الى فسح المجال للمرأة العراقية بشكل واسع ، ليتسنى لها المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية الى جانب اخيها الرجل.
وقالت " ان المادة / 16/ من الدستور العراقي اكدت ضرورة تكافؤ الفرص بين العراقيين جميعا ، وبما ان المرأة جزء ومكون اساس للمجتمع فلابد لها من اخذ دورها الفعال في المؤسسات الحكومية والادارية والافادة من خبرتها ومهارتها في تطوير البلد والنهوض به ".
وتابعت " ان اغلب شعوب العالم تحتفل بيوم المرأة إحتراما وتقديرا لدورها في الحياة وتعبيرا عن الدعم اللامحدود لنضالها الدائم والمتواصل لنيل حقوق شعبها وحقوقها ، في المساواة مع اخيها الرجل في الحقوق وفي الفرص المتساوية ومن اجل التقدم الاجتماعي والثقافي والحضاري للجميع ".
وأضافت الجاف " ان امامنا الكثير لنفعله من اصلاح قانوني وثقافي لتغيير المفهوم الذي يسوغ للرجل اضطهاد المرأة ومعاملتها بالعنف في المناطق الشعبية والريفية خصوصا ، وبالتالي فلابد ان تختفي ثقافة اضطهاد المرأة العراقية ".
ويعتقد متابعون للشأن العراقي ان محاولة بعض الاطراف السياسية التدخل في وضع المرأة الاجتماعي والشخصي لاسباب توصف بالطائفية ، سيزيد من معاناتها خصوصا بعد قيام تلك الاطراف بتشريع قانون مثير للجدل عدّه خبراء قانون وسياسيون وحتى رجال دين بانه يحط من قدر المرأة ويعود بها الى الوراء مئات السنين.
وفي خضم هذه المعاناة ، لا يبدو ان المستقبل سيكون مشرقا للمرأة العراقية التي تبوأت في الخمسينات منصب اول وزيرة في المنطقة العربية ، في ظل تراجع كبير في مكانتها الفعلية وليس الشكلية في الوقت الحاضر.