في يوم المرأة المصرية، لن أتحدث عن تاريخ مضي، واستعرض نماذج لنساء ساهمن في تشكيل عقل أمة، وصنعن بقوة تاريخ وطن. لن أتحدث كذلك عن أحلام تمنيتها دوماً لي وللكثيرات من حولي في العالم العربي الذي لا زلنا نحلم له بالمزيد.
لكني قررت أن أتحدث عن واقع عشته عن قرب، عن نموذج حي تعلمت منه الكثير ولا زلت، نموذج للمرأة المصرية التي عانت كثيراً حتى شكلت أحلامها كما تريد، لا كما يريد المجتمع. امرأة قررت أن تكون هي بكل مميزاتها وعيوبها، حتى لو رفضها البعض، ووقف البعض الآخر في طريق أحلامها، لا لشيء سوى أنها مختلفة.
عن المصرية الأصيلة آمال عويضة اتحدث.
بدأت علاقتي بها منذ سنوات يقترب عددها من 15. لازلت أذكر أول مرة تقابلنا مع سبق الاصرار والتعمد مني، حينها كنت من بين الحضور في ندوة كانت تعدها بشكل شهري لمجموعة من أشهر أساتذة الطب النفسي في مصر، تحت رعاية مجلة الشباب التى كانت واحدة من أهم إصدارات مؤسسة الأهرام في تلك الفترة.
حضرت الندوة لمجرد أن أتواجد في مؤسسة عريقة حلمت بالانضمام إلى فريقها منذ نعومة أظافري، وبينما الندوة تسير في اتجاهها؛ امسكت أنا بورقة وقلم كانوا في حقيبتي الصغيرة، وكتبت موجهه كلامي لتلك السمراء الشابة التي تدير الندوة؛ اطلب منها السماح لي بلقاءها بعد الندوة للحديث. وعن طريق الحضور أرسلت لها الورقة بعد أن مرت من يد ليد.. ولا أعرف لماذا كنت انا أول من توجهت له آمال بنظراتها فور قراءتها لرسالتي وكأنها أدركت على الفور أنني صاحبت الطلب.
وبابتسامة طيبة طمأنتنى بالموافقة، لأتشجع أنا الخجولة التي لا تجيد فن الاقتحام، وأذهب إليها بعد نهاية الوقت، لتصحبني إلى مكتبها الصغير، وأتحدث معها عن أحلامي في العمل بالصحابة، وعشقي للكتابة، ومشروعاتي الوردية التي لا أعرف طريقاً لتحقيقها، لتفاجئني على الفور، بوضعها لورقة وقلم أمامي ووامري بكتابة طلب لرئيس التحريرفي ذلك الوقت "الكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع رحمة الله" للسماح لي بالتمرين في المجلة الشابة، وقررت هي أن تتولى مسئولية تقديمه لمديرة مكتبه "وأنا وحظي بقى".
يومها لم أفكر في الطلب او في موافقة رئيس التحرير عليه. لكنني رحت أفكر في تلك الشابة التي تكبرني ببعض سنوات، وهي تعطيني اول درس في الحياة العملية. وهو العطاء وعدم التخاذل عن تقديم يد المساعدة لأي أحد ما دام قصد بابي.. أن اصنع الخير لوجه الله لا ابتغاء مرضاة البشر..
لتبدأ علاقتي بآمال عويضة؛ والتي استمرت عن بعد لسنوات، الجأ إليها باستشارة هاتفية، او أوجه لها رسالة فضفضة أحكي لها فيها عن ظروف قهرية تقف في طريقي، وتمنعني من بلوغ أحلامي.
إلى أن استطعت أن أشق طريقي بمثابرة في عالم الصحافة، مستعينة بنصائحها ومساعدتها بين الحين والآخر. حتى التقينا بعد إصداري لأول مجموعة قصصية في عام 2008 لأهديها نسخه منها اعترف في جملة فيها بفضل تلك السمراء عليّ. جملة قررت أن أرد بها جميلها، لم اكن أتخيل أنها سوف تفرح بها إلى هذا الحد.
لتبدأ علاقة صداقة حقيقية بيني وبينها، اقتربت فيها من عالمها، واقتربت فيها من عالمي. أدركنا أننا نختلف في طبائعنا بشكل كبير، لكن وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر صداقتنا، فكل منا يعرف أنه لا يمكن أن يكون غير نفسه.
آمال التي لا يعرفها الكثيرين عن قرب مثلي، استطاعت أن تصنع حياة حافلة بالنجاحات.. فهي كاتبة متميزة، وباحثة ممتازة، تعرف كيف تصنع نجاحاتها الواحد تلو الاخر، نهمة للتعلم مهما بلغت من خبرة او حققت من نجاح، فهي الكاتبة المتميزة التي أصدرت فلسطينيات.. ذلك الكتاب الذي يسجل يومياتها في فلسطين عندما زارتها بعد الانتفاضة مباشرة فى عام 2000. وهي القاصة الرائعة التي سجلت مشاعرها المرهفة في مجموعتها القصصية الأولى "سيدة الأحلام المؤجلة"، والروائية التي تستعد لإصدار رواية أنا على يقين من أنها سوف تكون من أجمل وأقوى الروايات العربية.
آمال الحاصلة على الماجستير من أكاديمية الفنون، التي تستعد لمناقشة الدكتوراة، الشابة التي تجيد أكثر من لغه، والتي عملت لفترة طويلة في منظمة الصليب الأحمر، التي زارت مدن عدة، لها في كل واحدة منها أصدقاء أسرتهم بمحبتها وشخصيتها المتميزة.
آمال التي كانت واحدة من بنات الميدان في ثورة 25 يناير التي حلمت بمصر جديدة وثارت وغضبت من أجل حريتها مع الاخرين، والتي عاشت إحباطات عدة بعد سرقة الثورة لأنها اكتشفت أن أحلامها لمصر كانت رومانسية زيادة عن اللازم على حد تعبيرها.
آمال التي قررت أن تمنح من وقتها بضع ساعات للعمل الخيري، فصنعت شيء جميل اسمه "بيت صافية"، قررت أن يكون صدقة جارية على روح أمها الجميلة.. والذي تفتحه دوماً لأطفال "كفر الشرفا" لتمنحهم بعض من خبراتها، وتهبهم بعض المتعة التي حرموا منها بفعل الظروف. في بيت صافية تعلمهم الرسم والقراءة والحكي والتثميل، تنمحهم المعلومات وتفتح لهم نافذة على العالم وهي متأكدة أن ما تقدمه لهم اليوم سوف يشكل وعيهم للأبد.
آمال التي جعلت من نفسها حلقة وصل في سلسلة الخير، التي لا تتردد عن جمع الأموال لعلاج مريض، او تيسيير زواج، او تأسيس مشروع خيري هادف، سوف تظل في نظري نموذج أمثل للمرأة المصرية كما يجب أن تكون.. قويه تعرف طريقها، وتحدد أهدافها، وتسعي بكل ما أوتيت من حلم لتحقيقها. تمنح الأمل للجميع، دون أن تنتظر من أحد شيء سوى دعوة طيبة براحة البال والستر.
آمال عويضة سيدة الآحلام المتحققة .. في يوم المرأة المصرية .. امنحك قبلة حب وامتنان وتقدير للابد .. كل لحظة وانتي مالية الحياة بهجة.. وقلبك عمران بالحب.