في عالمنا الإسلامي هناك من تعمّد أن يُخرج منبر الجمعة عن سياقه ورسالته الدينية والتاريخية والاجتماعية، ووظفه لتحقيق طموحاته ورغباته وتطلعاته أياً كانت، لذا أعتقد أننا في زمن يحتم علينا إعادة التأكيد على رسالة هذا المنبر العميقة في المجتمعات الإسلامية.
يجب العودة لمفهوم خطب الجمعة، والهدف منها، فالقضية ليست تعبدية وحسب، وإنما أيضاً اجتماعية تستهدف تثقيف وتوعية المجتمعات، ففي الوقت الذي نسمع في نهاية كل أسبوع عن خطباء اعتلوا تلك المنابر وتحدثوا عن مواضيع بعيدة كل البعد عن هموم الناس واهتماماتهم، نلاحظ اليوم أن الجموع باتت في شغل عن هذه المواضيع، بل إنها منفصلة تماماً عن واقعها، بمعنى منفصلة عما يتحدث به الخطيب.
هذا الوضع يسبب على المدى البعيد تسطيحاً لوظيفة منبر الجمعة، ويصبح من يحضر ليس لأنه يتوقع أن يخرج بفائدة دينية ودنيوية، وإنما يحضر فقط لأداء الصلاة ويمضي، وبات ملاحظاً على نطاق واسع أن المساجد لا تبدأ بالاكتظاظ بالناس إلا بعد أن يعتلي الخطيب المنبر، وبعد أن يقطع شوطاً كبيراً في الخطبة، عندها يبدأ التوافد للمسجد، وكأن الناس بدأت تضع التوقيت على نهاية الخطبة، ولسان حالهم يقول إنهم لا يريدون أن يفوتوا فضل صلاة الجمعة، لكنهم غير مهتمين بما سيقوله الإمام خلال الخطبة، لذا هم يتأخرون كثيراً.
نظرة عامة على بعض المنابر في عالمنا الإسلامي تثبت أنها تحولت لتصفية الحسابات والتمذهب والتعصب، بل حتى في أداء شعائر صلاة الجمعة في الغرب بتنا نسمع عن خطب محملة بالشتم للمجتمعات، وتسطيح للناس وكأنهم في جاهلية.
ولن أذهب بعيداً، فجميعنا يعلم أن بعض المفلسين المتعصبين يوظفون المنبر للنيل من بلدنا ومجتمعات مسلمة، واتهامها بأنها مجتمعات معادية للدين وقيم الإسلام.
أتمنى فعلاً أن تقوم المؤسسات الإسلامية بمراجعة دور ورسالة منبر الجمعة، ووضع إطار أو ميثاق شرف يوضح خلاله الدور المناط بمنبر الجمعة القيام به ورسالته، ولعل من أهم هذه المنظمات التي يجب أن تقوم بدور حيوي ومهم في هذا الإطار منظمة المؤتمر الإسلامي، فضلاً عن مختلف مؤسسات الإفتاء في عواصم عالمنا الإسلامي.
يجب أن نعمل على الحد من استغلال منابر الجمع لتصفية الحسابات، ورفعها حتى لا تكون في متناول ضعيفي الضمير والأخلاق، لتمرير رسالاتهم المريضة المحملة بالكراهية والحقد والضيق بالآخر. منبر الجمعة ليس حكراً على فئات محددة أو توجهات معينة، بل هو للمجتمع الإسلامي برمته