كم هو جميل أن نحتفل بعيد المرأة، وكم هو جميل أن نرى المرأة المغربية تعانق حقــــوقها الكامـــــلة، لأن ذلك من مبادئ الديمقراطية التشاركية، ومن جملة ما جاء به الدســـتور الجديد لسنة 2011، وجميل أيضا أن نسمع عن أصوات تشيد بالمرأة وبأعمالها وبقدرتها هي الأخرى على منافسة الرجل، لكن مع ذلك يبقى التساؤل مطروحا حول الجدوى من كل تلك الحملات الداعمة لصوت المرأة ما دام أن ما سمي الآن بحقوق المرأة يبقى حكرا على المرأة المتعلمة، دون أن تصل إلى المرأة القروية أو المرأة التي أفضل أن أسميها ‘المرأة الضحية ‘ لأنها على مر عقود من الزمن ضحية سياسات لا تراعي فيها إلا ولا ذمة .
ربما النقاش الذي يدور في الفضاء العمومي وفي الساحة السياسية الآن عن المرأة وعن حقوقها ربما قد انحرف عن دوره الحقيقي، فعوض أن يناقش موضوعات تمس المرأة المغربية بشكل أساسي، يذهب النقاش إلى ذيل الاهتمامات ويجعلها هي الأهم ويتجاهل بالمقابل قضايا من صميم الواقع، لذلك تجدهم غالبا ما يتحدثون عن المناصفة التي يضمنها الدستور وعن مشاركة المرأة في الانتخابات، وعن غيرها من الحقوق التي لا يعرفها إلا القلة القليلة من النساء المغربيات .
فإذا كان الدستور الجديد ينص في الفصل 19 على المساواة بين الرجل والمرأة، وإذا كان من جهة أخرى يضمن المناصفة بين الرجال والنساء، فإن هناك نساء مغربيات يعشن في القرى لم يسمعن بهذا الحديث أبدا، ولا يعرفن من الدستور إلا رسمه، فهؤلاء يعشن في عالم من الآلام التي لا تنتهي، ويعانين مرارة الحياة القاسية، حيث لا تنفع معها النصوص القانونية التي يصدرها المشرع،ولا أصوات تلك الشرذمة التي تسترزق على حساب المرأة المغربية، حيث تجعل من نفسها الضامن الوحيد لحقوق المرأة المغربية غاية في نفس يعقوب قضاها.
قبل الحديث عن القوانين التي لا ننكر أن لها أهمية قصوى في الانتقال إلى دولة العدالة ودولة المساواة والوصول إلى الديمقراطية الحقة، دعونا نتحدث عن معاناة المغربيات اللواتي يعشن في الجبال وفي الكهوف دون أدنى كرامة تذكر ودون أي حق من حقوقهن المشروعة، فكيف نتحدث عن التمثيلية وكيف نتحدث عن وصول المرأة إلى البرلمان ومشاركتها في الانتخابات وتقلدها مناصب حساسة في الدولة، والمرأة المغربية ما تزال تعيش المآسي في المناطق النائية حيث لا تعليم ولا صحة ولا ترفيه، حياة عنوانها البارز المعاناة التي تكون من المهد إلى اللحد.
النقاش الحقيقي حول وضعية المرأة المغربية الآن يجب ألا يقتصر على ثلة من النساء اللواتي يتصدرن الواجهة في المدن واللواتي كان الحظ حليفا لهن، واللواتي يتحدثن من برجهن العاجي، دون النزول إلى أرض الواقع لمعرفة الحقائق كما هي، فالمرأة المغربية في هذه الآونة لا تحتاج لمثل هذه الأعياد وغير مستعدة للاحتفال بها لأنها في بحث مستميت للخروج من وضعها المأساوي الذي يندى له الجبين، والذي فرضته السياسة اللامسؤولة لمن يتحكمون في البلاد والعباد منذ عقود من الزمن،والذين ساهموا في تكريس الاستبداد والظلم وقدموا الأكاذيب للمغاربة على طبق من ذهب’.
لا أحد ينكر أن المرأة المغربية كانت حاضرة بقوة في الخطابات السياسية وتحظى بشعبية عند صانعي القرار، إلا أن هذا الاهتمام الزائد يكون فقط عندما تقترب الحملات الانتخابية، حيث تجدهم يستعملون المرأة القروية بشكل خاص والمرأة المغربية بشكل عام في الدعاية لتحقيق مآربهم الشخصية، فكم سمعنا من خطاب عن سياسات للنهوض بالمرأة في العالم القروي، وكم هي الوعود التي قدمتها الحكومات المتعاقبة في هذا المجال، غير أن الحال بقي على ماهو عليه دون أي تغيير يذكر اللهم إذا كان التغيير فقط في الوجوه التي تتفنن في الاسترزاق على حساب المرأة بدعوى أنهم في الطريق لتحريرها من الواقع القهري الذي تحياه كل يوم .
ستحتفل المرأة المغربية بالأعياد عندما تجد وطنا يحترمها ويقدرها ويعطيها حقوقها الكاملة، وستحتفل عندما تجد أنها تعيش بكرامة داخل وطنها، وأن صوتها مسموع داخل الفضاء العمومي، وأن باستطاعتها الحصول على حقوقها المشروعة دون مساومة، آنذاك يمكن لها أن تحتفل ونكون نحن أول المهنئين لها بمناسبة إحتفالها، أما أن نطبل ونزمر للأوهام ونحاول إقناع أنفسنا بأن ما يروى على مسامعنا هو عين الحقيقة، فهذا ربما سيزيد من تعقيد الوضع وسيجعل من التنمية أمرا مستبعدا إن لم نقل أمرا مستحيلا.