في كثير من الأحيان نتعود على بعض الممارسات بشكل يومي وتصبح عادة، بل تتحول لجزء من يومنا ومن تفكيرنا، وننسى أن هذه العادة قد تشبه بطريقة أو أخرى الإدمان، دون أن نوليها العناية والاهتمام الذي يجب، فنحن نسلم بها ونستخدمها دون تنبه لآثارها أو للكيفية التي يمكن أن نستغني عنها فيما بعد، وكما يقال كأننا نلف حول أعناقنا حبلاً ونشده.
لا أريد أن تذهب مخليتكم لأبعد، فأنا أقصد الاعتياد على بعض وسائل الاتصالات الذكية أو التطبيقات الحديثة في التواصل الاجتماعي، وجميعنا نتذكر قبل بضعة أيام، عندما توقف التطبيق الشهير واتس آب عن العمل لساعات، كيف كانت الأصداء التي حدثت وردود الأفعال، والكم الهائل من الطرف التي قيلت، مثل أحدهم يقول بعد توقف الواتس آب، صار عندي فرصة أجلس مع أهلي، ووجدتهم أناساً طيبين.
ونظراً لأن هذا التطبيق فعلاً له أثر اجتماعي بالغ وحقيقي، تم البحث عن بديل مباشرة، لدرجة أن برنامج التراسل الجديد «التيليغرام» شهد ضغطاً تسبب في توقفات متتالية لعمله لدى مستخدميه، وأرجع الخبراء التقنيون هذا إلى انضمام أعداد ضخمة من الناس مباشرة إليه من مختلف دول العالم.
هذه الظاهرة على مستوى العالم، حيث باتت مثل هذه التطبيقات مصدراً حيوياً ومهماً ووحيداً لدى الكثير، مصدراً للمعلومات وللمعارف وللخبرات الحياتية ولآخر الأنباء، وهذه التطبيقات ليست بريئة أو منزهة عن العيوب، بل إنها ثغرات في الجسد الإنساني والهيكل الاجتماعي من خلالها تتسرب البعض من الشرور، مثل الشائعات، والأخبار المغرضة، وأيضاً ممارسات غير قويمة وسيئة بكل ما تعني الكلمة، والخطر الأفدح أن مثل هذه التطبيقات بين يدي حتى الأطفال، ولكم أن تتخيلوا مقاطع من الأفلام أو الصور أو الأكاذيب التي تتسرب لذهن الطفولة، ويفتح الصغير عقله وقلبه على مثل هذا السوء البالغ.
كثير من خبراء التقنية وصفوا هذه التطبيقات بأنها معلومات متاحة وغير مشفرة ولا خصوصية لها، وأنها تتجاوز الحدود ولا قيود عليها، وعدوا هذا مكمن الخطر الحقيقي، لكن في ظني أن الخطر الحقيقي ليس أمنياً وحسب، وإنما أخلاقياً واجتماعياً وتربوياً، ولكم أن تعرفوا أن بعض الممارسات والعادات بدأت في الدخول لمجتمعات والتنقل بكل حرية، وتمر دون تدقيق أو حساب.
نحن بحاجة لمراجعة وطنية شاملة لمثل هذا الموضوع، ليست دعوة لتكميم أحد أو إلغاء شيء، بل إنها دعوة لمزيد من الدراسات العلمية والاجتماعية والتربوية، لقياس الأثر والعلاج، لا أكثر ولا أقل.