عانت النساء العربيات على امتداد عقود طويلة من اضطهاد مجتمعي وتمييز بحقهن، فلحق ما لحق بهن من ظلم وجور انعكس سلباً على مكانتهن الاجتماعية ودورهن في المجتمع، رغم أن كل الحركات الوطنية العربية في خمسينيات القرن الماضي، في عهود الاستقلال، كانت من بين شعاراتها العريضة التي رفعتها استعادة المرأة لحقوقها ومكانتها، بما يتناسب مع دورها وحقها الإنساني المبدئي في المساواة مع الرجل.
أكثر من ذلك، العديد من البلدان العربية أقرت في دساتيرها خطوات متقدمة على صعيد إعطاء مكاسب كبيرة للمرأة، خاصة في تونس والعراق وسوريا ومصر ولبنان، وتبقى تونس في الصدارة من حيث العمق والشمول على طريق منح حقوق متساوية للمرأة والرجل. إلا أن أوضاع النساء لم ترق بعد إلى مستوى ما تقر به النصوص الدستورية والقانونية، بل وتراجعت في بعض تلك البلدان، ناهيك عن الواقع العملي الذي يجعل من النساء يتحملن العبء الرئيس جراء الحروب والعنف والصراعات السياسية والمجتمعية وغياب التنمية، والفقر.
وإلى جانب النساء يدفع أطفالهن ثمناً مضاعفاً، مما يزيد من معاناتهن الإنسانية وظروفهن الصعبة، و"زاد في النغم طنبوراً"، كما يقال في المثل الشعب العربي، تراجع بعض البلدان عن المكتسبات التي أعطيت للمرأة، ومثال ذلك ما جرى في العراق مؤخراً، حيث وافقت الحكومة على مشروع قانون يسمح بزواج الفتيات القاصرات في سن التاسعة، ويمنح للآباء الحضانة على الأبناء تلقائياً بعد عامهم الثاني. والتعديل هنا يخص أتباع "المذهب الجعفري" للمسلمين الشيعة، الأمر الذي يعدُّ تراجعاً كبيراً في مجال حقوق المرأة العراقية، ستكون له تداعيات غاية في السلبية على المجتمع العراقي، تنذر بتدهور أوضاع النساء العراقيات في شكل غير مسبوق.
ويلاحظ أنه بينما صادقت الحكومة العراقية على مشروع القانون المشار إليه، تسعى الحكومة السعودية، التي توصف بأنها محافظة متشددة، إلى وضع ضوابط لزواج القاصرات دون السادسة عشرة، حسب تصنيف القانون السعودي وليس دون الثامنة عشرة كما هو في معظم الدساتير العربية، والضوابط - كما أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية (السعودية) - تتضمن ثلاثة شروط: "بتقدم ولي البنت لقاضي المحكمة بطلب استثناء ابنته من السن المعتبر بالمشروع، وإحضار ولي الفتاة تقريراً طبياً من لجنة مختصة تتكون من اختصاصية نساء وولادة، واختصاصية نفسية، واختصاصية اجتماعية، لاستصدار تقرير يثبت اكتمال الصغيرة من الناحية الجسمية والعقلية، وأن زواجها لا يشكل خطراً عليها"، بالإضافة إلى ضابط "منع المأذونين كافة من تولي ذلك إلا بموافقة خطية من قبل المحكمة المختصة..".
بالطبع المقارنة هنا ليست بين مشروع قانون سيء في العراق وضوابط كافية في السعودية، إنما لإظهار مدى التراجع الكبير الذي يحمله المشروع الجديد في العراق بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية العراقي، تحت مسمى الالتزام بالتعاليم الفقهية المذهبية. دون مراعاة العواقب الوخيمة التي تترتب على الزواج المبكر عموماً، ومنها حرمان البنت من طفولتها، ومن حقها في التعليم، ناهيك عن تعريض حياتها النفسية والجسدية للخطر، وانعكاس ذلك سلباً على الحياة الأسرية والتنشئة الصحيحة للأطفال.
ومن المحزن أن مثل هكذا قوانين تعسفية وظالمة بحق النساء، وغيرها من القوانين التي تستلب حقوق النساء أو تنتقص منها، بات ينظر إليها كـ"أهون المظالم" التي تلحق بالمرأة العربية، بالقياس إلى معاناة النساء جراء الحروب والعنف والصراعات السياسية والاجتماعية والفقر. وللأسف تصاعد كل ذلك في زمن ما يصطلح على تسميته بـ"ثورات الربيع العربي"، رغم أن الحراك الشعبي المعارض، الذي أطلق "ثورات الربيع"، عمل من أجل انتزاع مطالب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ماذا ستقدم الحكومات والمجتمعات العربية للمرأة بمناسبة عيد الأم هذا العام؟ كشف الحساب المتراكم يؤكد أن المعدل الوسطي لنسبة الأمية في البلدان العربية يتراوح بين 30-40% من إجمالي عدد السكن، يشكل عدد النساء الأميات في هذه النسبة أكثر من الثلثين. ولا ترتبط نسبة الأمية في تلك البلدان بغنى أو محدودية الثروات الوطنية، ففي المملكة العربية السعودية، أغنى البلدان النفطية- الريعية العربية، أعلنت وزارة التربية ارتفاع نسبة النساء اللواتي يرزحن تحت ثقل الأمية إلى 19% عام 2013، علماً بأن العدد انخفض قبل سنوات حسب بعض الإحصاءات الرسمية إلى ما دون 10% فقط. وفي دولة الإمارات أظهرت دراسة أنجزتها جامعة الشارقة أن 81% من المسنين في الإمارات أميون، والغالبية منهم من النساء. أما عن الأمية بين النساء في غالبية البلدان العربية الأخرى فحدث ولا حرج.
وعانت النساء في المجتمعات العربية، وما زلن، من القهر والعنف المجتمعي والأسري، فرغم غياب الإحصائيات الرسمية حول هذه الظاهرة أظهرت تقارير حديثة للأمم المتحدة، لاسيما تقرير عام 2010، أن 59% من النساء العربيات يتعرضن للعنف الجسدي. وتساهم العادات الاجتماعية البالية في التغطية على سياسات الحكومات التي لا تواجه ظاهرة العنف ضد النساء.
وفي ظل غياب بنية مجتمع مدني، والعدالة الاجتماعية، في البلدان العربية يزيد العنف السياسي من قهر النساء في هذه البلدان، حيث تقع على كاهلهن معاناة مركبة، جانبها الأول أنهن جزء من المجتمع، والجانب الثاني أنهن الجزء الأضعف والذي يتحمل مسؤولية الأسرة عند فقدان المعيل لأسباب قاهرة.
كما أن النسبة العظمى من ضحايا الحروب الأهلية والتوترات والصدامات الطائفية والإثنية هي من النساء، بالإضافة للأطفال، ومثال ذلك نسب الضحايا في العراق منذ الاحتلال الأمريكي، والحرب في سوريا، وقبلها الحرب في لبنان والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إلى جانب اللاجئين والمهجرين.
ومما لاشك فيه أن البيانات والتصريحات الرسمية العربية بمناسبة عيد الأم "لا تغني ولا تسمن من جوع"، فما تريده المرأة هو الإنصاف بتنمية مجتمعية تقيم العدالة المنشودة، وحرية وديمقراطية واستقرارا سياسيا ومجتمعيا يوقف الحروب والصراعات، والتحرر من قيود العادات والتقاليد المتخلفة والبالية التي تجعل من المرأة سلعة عند الرجال وخادمة لهم، رغم أنها الأم والأخت والزوجة والابنة والحفيدة.