تشهد أروقة الشورى جدلاً حول قانون «الحماية من العنف الأسري»، وهو القانون الذي تم إقراره الجلسة الماضية، عدا المقترح الذي تقدمت به الشورية د.عائشة مبارك بشأن إضافة مفهوم «العنف الاقتصادي» كأحد أنواع العنف التي تُمارس داخل الأسرة.
وشددت الدكتورة عائشة مبارك على ضرورة مكافحة العنف الاقتصادي ضد المرأة، واقترحت ان يضاف تعريف العنف الاقتصادي، وقالت «يجب اضافة العنف الاقتصادي ضمن تعاريف المادة الاولى وذلك بسبب وجود الكثير من الخلافات الأسرية بسبب الوضع الاقتصادي للأسرة خصوصا على مستوى استيلاء الزوج على راتب الزوجة وهو استغلال سلبي من الرجال على مصادر دخل الفتيات، واستيلاء الأب على مهور الفتيات او تأخير زواجها بغرض استغلال راتبها».
وأضافت «ان لجنة المرأة والطفل مررت قانون الطفل وقد تطرق الى سوء المعاملة الجسدية والنفسية وتدل هذه المادة على وجود عنف اقتصادي في الأسرة ولكن قانون العنف الأسري لم يتطرق او يشير الى العنف الاقتصادي».
ورأى المجلس الأعلى للمرأة في مرئيات رفعها لمجلس الشورى أن البحوث العلمية التي استندت عليها عائشة مبارك في مقترحها «هي لباحثين بعيدين عن البيئة الخليجية، إضافة إلى أن القوانين التي تم الاستناد إليها هي قوانين لدول غربية وبعيدة عن أحكام الشريعة الإسلامية وهو من أهم المبادئ التي أكد مشروع القانون على ضرورة عدم الخروج عنها في تطبيق احكام هذا القانون، حيث تعتبر أحكام الشريعة الإسلامية صمام أمان للحفاظ على كيان الأسرة من التفكك ومعالجة تبعات تنفيذ أحكام جرائم العنف داخل الأسرة بالإضافة إلى أن هناك قوانين أخرى قد تكفلت بمعالجة هذا الجانب كقانوني أحكام الأسرة وصندوق النفقة وأنه من المبكر أن تدخل البحرين في معالجة ظاهرة العنف الاقتصادي من خلال تشريع».
وأشار المجلس الأعلى للمرأة إلى أنه «في حالة إضافة تعريف للمادة الأولى يتناول العنف الاقتصادي فإن ذلك يتطلب معالجات أخرى ضرورية كوضع تدابير وعقوبات، حيث إن الاكتفاء بوروده كتعريف لن يكون مجدياً وبالتالي فلا ضرورة لتضمينه في مشروع القانون، كما أن مؤسسات الدولة داخل المملكة لم تصل حتى الآن إلى إثبات وجود حالات للعنف الاقتصادي بموجب إحصائيات ودراسات معتمدة بغرض حصرها ومن ثم المطالبة بمعالجتها بموجب قانون يجرمها ويضع لها عقوبة «.
وطالب المجلس الأعلى للمرأة بضرورة الأخذ بعين الاعتبار وعدم إغفال العواقب الاجتماعية التي ستترتب على الأخذ بمثل هذا الاقتراح حيث سيتسبب في خلق العديد من المشاكل والعداء داخل الأسرة الواحدة كما سيضيف أعباء مالية على الدولة لأنها ستكون ملزمة بتوفير مصدر تمويل لمعالجة المتضررين من هذه الحالات أسوة بدور الإيواء التي يتم توفيرها لإيواء المتضررين من حالات العنف الجسدي.
وأضاف المجلس «لا يتم سنّ أي قانون إلا بناء على وجود ظاهرة في المجتمع، ولإثبات الظاهرة يجب توفر احصائيات بأرقام الحالات، واستناداً إلى العينة التي ترد إلى المجلس فإن حالات العنف محصورة في عنف نفسي وجسدي ولا توجد إحصائيات لعنف اقتصادي مما يتطلب مؤشرات وإحصائيات فعلية ليتم اعتماده كمادة مجرمة ضمن قانون».
من جانبها، رأت وزارة الداخلية أن اقتراح الشورية مبارك اقتصر على العنف الاقتصادي الذي يقع على المرأة فقط، في حين أن مشروع القانون يشمل جميع أفراد الأسرة.
وأضافت وزارة الداخلية «بالنظر إلى ما ورد في اقتراح العنف الاقتصادي الذي يمارس ضد المرأة للنيل من حقوقها فإن الوزارة ترى أن أحكام الشريعة لم تغفل هذا الجانب وحفظت للمرأة حقوقها حيث عالجت تلك المشاكل من خلال مسألة الفصل في الذمة المالية ووضعت أنواعا مختلفة للنفقة، كالنفقة الزوجية، ونفقة الطلاق ونفقة الأبناء، بما فيها كذلك نفقة الأقارب، وتم التأكيد على الموازنة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وعلى سبيل المثال فإن المحكمة الدستورية أعطت الحق للزوجة في المنزل الزوجي بغرض الحفاظ على حقوقها من الضياع والاستغلال في حال زواج الرجل بأخرى، كما أوجدت البدائل في حال عدم رغبتها البقاء في نفس المسكن عن طريق تعويضها بسكن آخر أو بمبلغ مالي، الأمر الذي ترى الوزارة بأنه كافٍ لحفظ حقوق المرأة من الاستغلال، وأن الاقتراح لم يأتِ على ذكر العنف الاقتصادي أو الاستغلال الذي قد يتعرض له أي فرد آخر عدا المرأة داخل الأسرة وهذه الموازنة في معالجة مثل تلك المشاكل هي ما يفتقر إليه الاقتراح المقدم حيث إن معظم الصور الواردة فيه تتعلق بالمرأة فقط، وعليه فإن الوزارة تؤكد على أنه يجب أن يكون النص والغاية مفتوحة بحيث تشمل الرجل والمرأة معًا وليس فقط المرأة تماشيًا مع مبدأ مشروع القانون الذي يؤكد على حماية كل أفراد الأسرة من العنف وليس المرأة فقط».
من جانبها، ذكرت وزارة التنمية الاجتماعية أنه في حالة الموافقة على وضعه ضمن مشروع القانون فإن من الواجب إيجاد التدابير والعقوبات اللازمة.
وأبدت وزارة التنمية تأييدها للمقترح الذي يعالج مشكلة موجودة فعليًا على أرض الواقع، واستدركت بالقول «إلا أنه – في حال الأخذ- به لابد في هذه الحالة عدم إغفال الأشكال الأخرى للعنف وعلى سبيل المثال العنف الاجتماعي والعنف السياسي».
من جانبها، قالت لجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس الشورى، أن «الظاهرة الاجتماعية السلبية حتى تتبلور إلى قاعدة قانونية يجب أن تصل إلى درجة من الخطورة بمكان تدفع المشرع أن يضعها في قاعدة قانونية، وخلال ما يقارب الخمس سنوات من نظر المشروع القانون من قبل اللجنة والجهات المعنية لم تظهر الحاجة إلى النص على العنف الاقتصادي».
وأبدت اللجنة مخاوفها من «الدخول في متاهة التعريف والدخول في التفصيلات التي قد لا تتناسب مع التشريعات الوطنية الصادرة بهذا الشأن، كما أنه لا توجد إحصائيات ولا أدلة على خطورتها إضافة إلى أن هناك معالجات كاملة في التشريعات القانونية كقانون أحكام الأسرة الذي تناول كافة اشكال النفقة وحقوق المرأة وبعض أفراد الأسرة ممن لهم حق على المعيل وقانون صندوق النفقة، وقانون العقوبات، وأن القوانين العربية المقارنة لم تشر إلى العنف الاقتصادي، اما التشريعات الأجنبية التي أشارت إليها الدراسة المقدمة فتختلف ظروفها ومناخها عن المجتمع البحريني الذي تحكمه الشريعة الإسلامية التي تنظم أحكام النفقة والإعالة والمعيشة». ودعت لجنة المرأة وشؤون الطفل إلى المزيد من دراسة مشكلة العنف الاقتصادي على مستوى شمولي يستوعب كافة الحالات والجوانب، مبدية قلقها من أنه في حال الأخذ بالمقترح فإنه قد يتسبب في خلق تصادم مع القوانين الأخرى إذا لم يدرس بصورة متأنية ومستفيضة كما سيؤدي إلى حدوث تفكك داخل الأسرة.
كما أشارت اللجنة إلى أنها لا ترغب في إضافة المزيد من التعقيدات التي قد تعيق تطبيق القانون وتتجنب الدخول في متاهات قد تتسبب في تداخل وتصادم مع القوانين الأخرى، وتحتاج إلى معالجة دقيقة في الكثير من مواد المشروع بقانون بدءًا من التعريف وضرورة وضع عقوبة مناسبة له وصولاً إلى التدابير والإجراءات الجنائية وغيرها.