يجهل البعض أن هناك فنوناً وطرقاً في الكيفية التي يتعامل بها الآباء مع أبنائهم، وأخص الآباء بالذكر، لأن الابن في مرحلة من مراحل العمر تكون مسؤوليته ملقاة على عاتق الأب، فهناك هموم وتطلعات في ذهن الابن المراهق سيكون الأب هو الأقدر والأخلص في توجيه ابنه نحو الطريق الأصح والأفضل.
في مرحلة من عمر أطفالنا، خصوصاً إذا وصلوا لسن المراهقة تخف أو تقل سلطة الأم ومراقبتها، والسبب ببساطة أن هذا الابن بات يخرج مع زملائه وأصدقائه، وبدأ يحضر مناسبات ومهرجانات ويمارس رياضات سواء الكرة أو غيرها.
ستجد الأم نفسها عاجلاً أو آجلاً عاجزة عن مطاردة وتتبع خطوات هذا الابن، فضلاً عن أن نهج المتابعة والمراقبة لم يعد يجدي، وأثبت أنه وسيلة فاشلة في تقويم سلوك الابن لو قدر وحاد عن جادة الصواب.
أستدعي هذه الكلمات لشكوى إحدى الصديقات من تفلت أبنائها من بين يديها، إذ تقول إنهم باتوا يقضون معظم وقتهم خارج المنزل، ويتناولون طعامهم في المطاعم، لا يأتون إلى المنزل إلا للنوم، فلم تعد تعرف أين يذهبون ومع من يسيرون، وبعد انتهاء الدراسة كيف يستذكرون دروسهم، وقائمة طويلة من النقاط التي توضح دون شك أن هناك انفلاتاً وعدم رقابة، وأيضاً عدم وجود نظام في المنزل عودت عليه أطفالها منذ نعومة أظفارهم.
هذه الأم تعيش حالة من التوتر والقلق المستمر والخوف الدائم، فهي تشاهد صغار الأمس وقد شبوا وباتوا يخرجون دون إذن، أو حتى إبلاغ عن المكان الذي سيقضون فيه وقتهم ومتى سيعودون. أعتقد جازمة أن هذه الأم، وفي هذه المرحلة من السن التي يعيشها أطفالها بدأت تحصد ثمار تربيتها، وطريقة تعاملها معهم منذ أن كانوا في سنواتهم الأولى، فلو أنها علمتهم الانضباط والدقة لما شاهدت هذه الفوضى السلوكية، ولو أنها علمتهم احترام الدراسة والوقت لما شاهدتهم الآن يعودون في منتصف الليل، كما أنها لو ربتهم على احترامها وقست عليهم قسوة التربية، لما تفلتوا اليوم من بين يديها.
وأنا ألقي المسؤولية أيضاً على الأب الذي في هذه المرحلة يجب أن يتدخل وبقوة لمعالجة هذا الخطأ الذي تم ارتكابه في تربية هؤلاء الأطفال ليصلوا إلى سن المراهقة وهم لا يملكون حس المسؤولية، ولا يشعرون بقيمة الوقت ولا بقيمة التعليم. وقديماً قيل إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فلنزرع القيم الجميلة في أطفالنا منذ سنواتهم الأولى.