"عيناك ساحرتان وشفتاك جذابتان ولا حاجة لاطلاعي على سيرتك الذاتية لأن ما فيها لا يهم. ما يهمني هو أن أتعرف عليك. هل أنت مرتبطة؟ ما رأيك في الذهاب إلى إحدى المقاهي القريبة؟"
تلك الكلمات كانت مقابلة عمل الممرضة المغربية بشرى، التي كانت تأمل في الحصول على وظيفة في مستشفى خاص للأطفال في الدار البيضاء.
قالت بشرى لموقع "راديو سوا" إنها صدمت للموقف وخجلت خجلا شديدا لكلمات ونظرات محاورها، فاعتذرت قبل أن تغادر المكان على وجه السرعة.
أشكال التحرش بالنساء متنوعة وموجودة في كل مكان في المغرب، بل في باقي المجتمعات العربية أيضا، منها ما هو ظاهر مثل ما يحدث في الشوارع أمام الملأ، ومنها ما هو مخفي ومسكوت عنه مثل ما يحدث في أماكن العمل.
الباحث الاجتماعي المغربي علي شعباني قال لموقع "راديو سوا"، إن واقع التحرش الجنسي في المغرب مثله مثل جميع المجتمعات التي يغيب فيها القانون وتتفشى فيها الفوضى أو عدم ضبط الحوادث، وسط غياب الصرامة في تنفيذ القوانين.
وأشارت بشرى إلى أن الجميع يدرك وجود حالات تحرش في أماكن العمل، بل إن المتحرشين يكونون معروفين على صعيد المؤسسة التي يعملون فيها، لكن لا أحد يتحلى بالجرأة الكافية أو الإرادة لوضع حد لذلك، إما لأن الأغلبية تفضل التركيز على شؤونها الخاصة أو تخشى شبح فقدان الوظيفة في ظل صمت البقية.
من هو المتحرش
قال شعباني إن المتحرش كثيرا ما يكون رجلا يتوفر على إمكانيات مادية مثل سيارة فاخرة أو مركز وظيفي مهم، تشجعه على القيام بمثل تلك الأعمال. وأضاف "من يتحرش عادة هو من يشعر أن لديه شيء يميزه عن الآخرين أو الذي يعتقد أنه سيكون محميا من طرف آخرين في حال ضبطه أو فضحه".
وهو كذلك الشخص الذي يظن أن الشابات والنساء المغربيات سواء في العمل أو في الشارع أو في المدارس أو مدرجات الجامعات "سهلات ويمكن الإيقاع بهن واصطيادهن" دون مشقة، حسب الشعباني.
وقالت رئيسة الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء نجاة الرازي إن الظاهرة منتشرة في المجتمع بشكل كبير، مضمونها جنسي، وتمارس في إطار علاقات سلطة فهناك دائما رئيسا أو مشغلا أو أستاذا أو رجل سلطة يستغل منصبه من أجل إكراه شخص آخر، وغالبا تكون امرأة للخضوع لنزواته الجنسية في غياب شهود.
أما رئيسة الرابطة الفيدرالية الديموقراطية لحقوق المرأة في المغرب فوزية عسولي، فقالت لموقع "راديو سوا" إن سبب العنف ضد النساء بما فيه التحرش يعود "للموروث الثقافي الذي يجعل من المرأة بضاعة وملكية جماعية، ولا يعتبرها فردا في المجتمع وإنسانا له كافة الحقوق".
طبيب أطفال مهووس بموظفة في عمر ابنته
وفي هذا الإطار، روت بشرى تجربة مريرة عاشتها إحدى زميلاتها في عيادة طبيب أطفال في الستينات من عمره. وقالت إنه كان يعامل تلك الشابة، 23 عاما، معاملة غريبة إذ كان يناديها باستمرار وبشكل مريب إلى مكتبه، وكانت الأخيرة إنسانة جادة ولم تخف بغضها لمشغلها فتركت العيادة بعد فترة.
وعادت الشابة ذات يوم لتسلم راتبها الأخير بعد التأكد من مغادرة الطبيب، فكشفت لزميلتيها السابقتين تفاصيل قصتها. طلبت الشابة منهما قراءة رسائل قصيرة بعثها الطبيب إليها، ثم أبلغتهما أنها وكعادتها وصلت في يوم إلى العيادة قبل الجميع وكانت تغير ثيابها لارتداء لباس العمل، عندما تسلل الطبيب إلى المكتب قبل موعده الرسمي وباغتها في الغرفة الخاصة بالموظفات وهي بملابسها الداخلية.
حاولت الشابة ارتداء ثياب العمل بسرعة، بينما ذهب الطبيب إلى مكتبه بسرعة أيضا ليعود "عاريا كما ولدته أمه متوسلا الشابة أن تستجيب لطلباته الجنسية".
صعقت الشابة لهول المنظر والطلب فاستجاب جسدها بالتقيؤ، بعدها صرخت في وجه الطبيب الذي ظل يتوسل إليها ويعرض عليها مالا وسيارة ومنزلا وكل ما تشاء هي. فرفضت الإهانة وذكّرته بأنها تعمل ليلا بمستشفى للأطفال ونهارا في عيادته لأنها تريد الكسب الحلال ولا تريد المال السهل.
ثم هددت الشابة مديرها، وهو أب لبنتين إحداهما في عمر موظفته، بأنها ستفضحه أمام أسرته وموظفيه وآباء الأطفال الذين يقصدون عيادته، فعرض عليها المال مرة أخرى لشراء صمتها. وبعد التفكير مليا في الأمر، قررت ترك العمل والتزام الصمت خوفا من أن يتهمها هو بالسرقة أو شيئا من ذاك القبيل فتصبح هي المتهمة.
ويدفع غياب القوانين الصارمة وصعوبة تقديم أدلة النساء إلى السكوت عن اعتداءات يتعرضن إليها، في حين يغذي إدراك المتحرشين لذلك تماديهم في تصرفاتهم حتى وإن لم يكن مرحبا بها.
"التحرش أصبح ظاهرة خطيرة"
وقالت رئيسة الرابطة الفيدرالية الديموقراطية لحقوق المرأة، إن التحرش الجنسي أصبح ظاهرة لا تهدد فقط السلامة النفسية والجسدية للمرأة بل تهدد خروجها إلى الفضاء العام، و"كأن هناك حربا على النساء ترغمهن على العودة على المنازل"، على حد تعبيرها.
وقد كشفت دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، في الآونة الأخيرة أن 40.7 في المئة من الشابات في المغرب بين 18 و24 سنة تعرضن للعنف بما فيه العنف الجنسي والتحرش.
التحرش والقانون
يأتي ذلك فيما تناقش الحكومة قانونا جديدا اقترحته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة العدل والحريات، يجرم التحرش في الأماكن العامة وداخل مقرات العمل، تصل العقوبات المقترحة لمنتهكيه إلى السجن أربع سنوات.
لكن الباحث الاجتماعي علي شعباني وعلى الرغم من ترحيبه بأي قوانين لحماية النساء إلا أنه قال إن المسألة ليست في سن القوانين بل في كيفية تطبيقها وعلى من يتم تنفيذها بالتزام الشفافية والعدالة. وتساءل "هل يمكن أن نعتبر أن القانون سيحمي النساء المغربيات أو غيرهن من التحرش؟ هل قانون مكافحة الإجرام قضى على الإجرام؟ كلا".
ويعتبر القانون المقترح أن "التحرش الجنسي هو أي عمل غير مرغوب فيه ضد طرف آخر في الأماكن العامة إما بالمعاكسة أو اللمس أو التلفظ بألفاظ تدخل في إطار التحرش الجنسي أو حصول الفعل الجنسي".
وقالت رئيسة الرابطة الفيدرالية الديموقراطية لحقوق المرأة فوزية عسولي إن هناك ضرورة "لإقرار عقوبات زجرية لأن القانون له دور أساسي في تحديد وضبط السلوك، وإن كان ذلك غير كافي وينبغي أن يكون هناك وقاية عبر إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية والإعلام للقضاء على العنف ضد النساء".
وعلى الرغم من أن القانون المقترح يجرم التحرش بغض النظر عن جنس مرتكبه، إلا أنه يمثل خطوة تستفيد منها المرأة بدرجة أولى.
وأكدت الناشطة النسائية أن القانون المقترح ذو أهمية قصوى، لكن "تتخلله ثغرات إذ لم يتضمن إجراءات مضبوطة"، وأضافت أن القانون جاء فضفاضا ولم يقف عند الأهم وهو أن تكون هناك شرطة متمرسة خاصة بقضايا العنف وتستطيع إيجاد الدليل، إلى جانب قضاء مؤهل يبحث هو الآخر عن الدليل لكي لا تبقى تلك المهمة ملقاة على عاتق الضحية، على حد تعبيرها.
وفي السياق ذاته، قالت رئيسة الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء نجاة الرازي إن القانون ينبغي أن يكون شاملا، وأن يضمن حماية ضحايا العنف وتخصيص مؤسسات خاصة لمتابعة قضاياهن فضلا عن ضرورة تعميمه وتبسيط الإجراءات الخاصة بعمليات الإثبات حتى تتمكن النساء من استخدامه.
وتم كسر تابو التحرش في المغرب بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، إذ يتحدث عنه المجتمع بحرية أكبر ووضوح شديد، وتنشر شابات قصصهن على موقع يوتيوب كما تعالج السينما المغربية الظاهرة، لكن مواجهتها والقضاء عليها ربما مازال في بدايته.
راديو سوا