في كل عام تُنظم صناعة السينما الأمريكية حفلها السنوي الصاخب لتهنئة الذات؛ حفل توزيع جوائز الأوسكار، ثم تتبعه سريعا بقليل من البحث المتزمت عن الذات. وضميرها، في هذا المثال، يكمُن في "مركز دراسة المرأة في التلفزيون والسينما" التابع لجامعة ولاية سان دييجو، حيث تعد مارثا لوزين، العضو التنفيذي في المركز، تقريرا سنويا عن المرأة في صناعة السينما.
وقراءة البحث الجديد الذي جاء تحت عنوان "إنه عالم (سينما) الرجل"، تجعل أي شخص ملتزم بالمساواة الاجتماعية يشعر بالكآبة. فهو يُشير إلى أن النساء يؤدين 30 في المائة فقط من الأدوار الناطقة على الشاشة، و29 في المائة من الأدوار الرئيسية، ومجرد 15 في المائة من أدوار البطولة التي تحرك حبكة الفيلم. وفيما وراء هذه الإحصاءات الكئيبة، تقوم المؤلفة بتطبيق معايير أكثر تطوراً: مثل الوضع الاجتماعي والتعليمي، والمهنة، والعِرق، وعمر الشخصيات النسائية، يتبعه قسم عن الأهداف والمناصب القيادية.
ولا أجد نفسي في حاجة إلى سرد النتائج، لأن القارئ يمكنه تخمين الإجابات. "فالشخصيات النسائية، مقارنة بالرجال، ليس لها على الأرجح أهداف واضحة، أو يتم تصويرها في أدوار قيادية من أي نوع"، هكذا يقال لنا. وربما أسوأ جانب في هذه الصورة هو أن ذلك بالكاد تغير - ليس فقط في الأعوام العشرة الماضية ولكن في الـ 50 عاما الماضية.
مع ذلك، لا بد من القول إن أرقام لوزين مُستمدة من دراسة لأعلى 100 فيلم من حيث الإيرادات في السوق المحلية في الولايات المتحدة لعام 2013. لا شيء من أوروبا، أو من الصين، ولا حتى من أفلام على نطاق أصغر. ولا شيء من المخرجين الذين يحبون التركيز على النساء (جين كامبيون، مثلاً، أو فرانسوا أوزون، أو بيدرو ألمودوفار). فمن يعرف ما إذا كان فيلم "بلو جاسمين" لوودي ألن، الذي تمت الإشادة به (خاصة بسبب النجمة الحائزة جائزة أوسكار، كيت بلانشيت، التي تعلب دور البطولة) كجزء من موجة جديدة من السينما التي تركز على النساء، سيحظى حتى بمكان في تحليل العام المقبل.
كثير منا ربما يرغب في الاعتقاد بأن عينة مختلفة ستعطي نتائج مختلفة. حتى السينما الإيرانية تنتهج مسألة المساواة بين الجنسين، مع فيلم "الظرف" لعام 2012، وتناوله موضوع الجنس بشكل واضح، للكاتبة والمخرجة مريم كيشافارز، الذي حقق نجاحاً كبيراً في السوق السوداء في طهران. وفي العام الماضي أجازت السعودية رسمياً فيلماً من إخراج امرأة، وهي هيفاء المنصور، الذي يعرض طالبة مدرسة استثنائية، وجْدة، ورغبتها في الحصول على دراجة لإطلاق العنان لحريتها.
لكن هل كانت الإحصاءات ستخبرنا حكاية أفضل بكثير لو أن الدراسة كانت على نطاق أوسع؟ من غير المرجح ذلك. حتى أكثر المؤيدين لنظرية المساواة بين الجنسين تفاؤلاً (وهي فئة أضع نفسي فيها) سيكون عليهم الاعتراف بأن المثالين الإيراني والسعودي ـ مثل حقيقة أن المخرجة كاثرين بيجيلو فازت بجائزة أوسكار عن أفضل فيلم في عام 2010 بعنوان "ذا هيرت لوكر" ـ كانا جديرين بالملاحظة في الغالب بسبب ندرتهما.
لا، فأنا أخشى أنه كيفما كان تقرير سان دييجو محطماً للمعنويات، لا يوجد لدينا سبب وجيه لنُفاجأ بالنتائج التي توصل إليها. فالسينما ذات الميزانية الكبيرة هي من أشكال الفن الأكثر تحفظاً من الناحية الاجتماعية. ذلك أن إبداعاتها لا تقاوم أي اتجاه مجتمعي مهم: ما تفعله، غالباً ببراعة ودقة متناهية، هو عكس الوضع الراهن للأعراف السائدة. ربما تتفاعل أو تستجيب إلى المعايير الاجتماعية الحالية والمتغيّرة من خلال إعادة صياغتها بشكل بارز - وهذا ما تفعله كافة الدراما الجيدة - لكن لا تكون سبّاقة في التغيير الاجتماعي. فهي لا تفعل شيئاً من المحتمل أن يُثير استياء الجمهور.
وكلما كانت ميزانيات إنتاجها هائلة، وبالتالي ابتعد مستثمروها عن المخاطر، كان هذا صحيحاً. فهذا النوع من السينما يزدهر من خلال إعطاء غالبية الجمهور ما يريده ويتوقعه. وعندما يتعلق الأمر بقضية المساواة بين الجنسين، فهي تقوم بما هو متوقع تماماً في إعطاء صورة عن العالم الذي وراء الشاشة. لذلك إذا كان بالإمكان إجراء هذه التجربة على الإطلاق، فمن المحتمل تماماً أن إحصائيات سان دييجو، خاصة تلك المتعلقة بالأهداف والقيادة والمكانة المهنية، سيتبيّن أنها تقريباً هي نفسها بالذات الموجودة في الحياة "الحقيقية".
هناك عامل آخر يمكن أن يقطع شوطاً في تفسير الافتقار إلى التحسن في الأرقام ذات العلاقة بالنساء على الشاشة، وهو تحول واضح في أذواق مشاهدي السينما. انظر في قوائم الأفلام الناجحة وستجد همينة صارخة لأفلام الخيال والحركة، والأفلام المعززة بالكمبيوتر والأساليب الرقمية. ومن الواضح أن هناك عدداً أقل من النساء في الأفلام (لاحظ أن البطولة الفائقة وأبطال السوبر حكر على الرجال). وقليل منها على العموم تتم بالشكل البشري. حتى أمثلة هذا العام من نجاح النساء على الشاشة – ساندرا بيلوك في فيلم "الجاذبية"، وجنيفر لورنس في فيلم "ألعاب الجوع" – يلعبن أدواراً ذات واقعية معززة. وإذا أردتَ العثور على فيلم حقق إيرادات ضخمة ويركز فعلاً على العلاقات البشرية بين البالغين فعليك أن تعود إلى الوراء، وتتجاوز أفلاماً مثل "أفاتار" أو "الرجل الحديدي" – الجزء الثالث، وعدة أجزاء من فيلم "سيد الخواتم" وطوابير من أفلام هاري بوتر، وتقطع كامل المسافة إلى فيلم "تايتانك"، من إنتاج 1997.
هذه هي حال السوق، التي وصلنا إليها بسبب التكنولوجيا، سواء أعجبك ذلك أم لا. حتى الفتيات أصبحن مهووسات بالتكنولوجيا: هناك أرقام تبين أن المتفرجات من الشابات الصغيرات المتابعات لأفلام الخيال والحركة، التي هي تقليدياً من عالم الرجال، ارتفع عددهن أضعافاً مضاعفة. ومن الواضح أنهن لا يعبأن بتوازن الجنسين الذي يجري تصويره. والواقع أن هناك اتجاهاً متزايداً للأفلام التي لا تشتمل على أي بشر على الإطلاق، من أي جنس كان. شخصياً أعتبر أن من المحزن، إن لم يكن حتى مثيراً للقلق إلى حد ما، أن أعلى فيلم من حيث الإيرادات لعام 2014 هو "الليجو".
علينا أن نأمل أن الفيلم الذي جعل من الممكن الحصول على جائزة الأوسكار عن أفضل سيناريو لهذا العام، وهو فيلم "هي" من إخراج سبايك جونز، لم يكن من إنتاج امرأة. أنا أوافق على أنه سيناريو رائع، لكن سامنثا، موضوع الحب المهووس، أي "هي" الموجودة في عنوان الفيلم، تشكل نظام تشغيل يعمل بالذكاء الاصطناعي.