اللثــغ ( ل ث غ ) : من عيوب اللسان ، وقد جاء عند الزبيدي في التاج قوله :
اللَّثَغُ مُحَرَّكَةً واللُّثْغَةُ بالضَّمِّ : تَحَوُّلُ اللِّسَان منَ السِّينِ إلى الثّاءِ ،نَقَلَه اللَّيثُ، (الأوَّلُ مَصْدَرٌ والثاني اسْمٌ)،أوْ منَ الرّاءِ إلى الغَينِ وأنْشَدَنابعْضُهُمْ في حِكَايَةِ الألْثَغِ
تَشْغَبُ المُنْكَغَ الحَغَامَ وغِيقِي ... أحْمَغُ سُكَّغٌ شَغَابٌ مُكَغَّغْ ، يريدُ :
تَشْرَبُ المُنْكَرَ الحَرَامَ ورِيقي ... أحْمَرٌ سكَّرٌ شَرَابٌ مُكَرَّرْ
أو منَ الرّاءِ إلى اللامِ أو إلى الياءِ أو هُوَ تَحَوُّلٌ في اللِّسَان منْ حَرْفٍ إلى حَرفٍ وقالَ ابنُ دُرَيدٍ : اللَّثَغُ : اخْتِلالٌ في اللِّسانِ وأكْثَرُ ما يُقَالُ في الرّاءِ إذا جُعِلَتْ ياءً أو غَيْناً ،أو هُوَ أنْ لا يَتِمَّ رَفْعُ لِسَانِهِ في الكَلامِ وفيهِ ثِقَلٌ قالَهُ أبو زَيْدٍ يُقَالُ : ما أشَدَّ لُثْغَتَهُ بالضَّمِّ هُوَ ثِقَلُ اللِّسَانِ بالكَلامِ .ولم يكن العرب يعيبون اللثغاء من النساء ، وانما يعيبون الألثغ إذا كان لثغه بيِّناً فاحشا ،،،
ويروي المؤرخون من علماء السيرة أن بركة أم أيمن خادمة رسول الله كان في لسانها لثغة ، وكانت صفة جمالية تمنحها القبول والرضا أمام زوجها رضي الله عنهما وشُهِر من الرجال باللثغ شيخ المعتزلة (1). وإذا كانت اللثغة عيباً لسانياً لا يغتفر للذكر المجبول على الوضوح والإبانة والإفصاح في التعبير على حدِّ زعم بعض المتحذلقين، فماذا نقول لرجل اليوم الذي لا يستطيع أن يميز بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية ،وهل هناك أصلا رجل فصيح بليغ هذه الأيام ؟؟؟!!! هل هناك رجل أو امرأة يعرف الفرق بين الضاد والظاء ؟! ومن يرد الجواب الشافي فليتابع نشرة أخبار أو خطاب سياسي ، فقد يُصاب بجلطة لكثرة ما تطرق سمعه الأخطاء اللغوية القاتلة ممن يسمون الـ" عرب " !!!
واللثغــة كما يرى الفصحاء البلغاء ذوو القريحة السليمة واللسان السوي والعربية الصافية غير الملوثـة بالنسبة للمرأة عذوبة وحُسْنٌ محبوب، وفيها يقول الجاحظ : « إن العرب كانوا يستملحون اللثغاء َ إذا كانت حديثة السنِّ ،ومقدودةً مجدولةً ».
ومما يُستملح في هذا المقام من الشعر، قولُ أبي نواس الحسن بن هانئ عن فتاةٍ لثغاء موصليّـة :
لقد فتنـتـني لثــغــــةُ موصليّــــةٍ * * * رمتني في تيار بحــر هــوى اللثــغِ
تقول وقد قبَّـلْـتُ واضحَ ثغـرهـا * * * وكان الذي أهوى ونلتُ الذي أبغـي
وختم الأبيات بتمثيلٍ عمليٍّ لجمال لثغتها إذ تقول :
تغفق، فشغب الخمغ من كغم غيقتي * يزيدك عند الشغب سكغاً على سكغ
أراد: ترفّق فشرْبُ الخمر من كرم ريقتي * يزيدكَ عند الشربِ سكراً على سَـكْـرِ
ووجدت في وفيات العيان لابن خلكان 6\10 عند الحديث عن لثغة واصل بن عطاء : وقد عمل الشعراء في اللثغة التي هي إبدال الثاء من السين شعرا كثيرا فمن ذلك ما يعزى لأبي نواس ولم أجدها في ديوانه والله أعلم إلا أن تكون في رواية علي بن حمزة الأصبهاني فإنها أكثر الروايات ولم أكشف هذه الأبيات منها وهي أبيات حلوة ظريفة :
وشادن ساءلت عن اســــــمه * فقـــــــــال لي إثمـــي مـرداثُ
بيات يعاطني سخاميّـــــــــــــــة * وقال لي قد هجــــــع الناثُ
أما ترى حثن أكاليلنــــــــــــــــا * زيَّــنهـا النثــــــــرين والآث
فعُـدْتُ من لثغتـــــه ألثغــــا * أقـــــــولُ : أين الطاث والكاثُ
أماالشعر في لثغة الراء فقليل، فمن ذلك قول بعضهم(وهو أبونواس كما أسلفنا) :
أما وبياض الثغر ممن أحبـّــــــــــه * ونقطة خال الخد في عطفةالصـدغ
لقد فتنتني لثغـــة موصليــــــــــــة * رمتني في تيار بحر هوى اللثـــــغ
ومستعجم الألفاظ عقرب صدغــــه * مسلطة دون الأنـــــام على لدغــي
يكاد أصم الصم عند حديثـــــــــــه * إلى اللثغة الغناء من لفظه يصغــي
يقول وقد قبلت واضح ثغـــــــــره * وكان الذي أهوى ونلت الذي أبغــي
وقد نفضت كأس الحميا وأظهرت * على خده من لونها أحسن الصبــغ
تغفق فغشف الخمغ من كغم غيقتي * يزيدك عندالشغب سكغاعلى سكغ
ولقد أجاد هذا الشاعر وجمع في البيت الأخير راءاتٍ كثيرةً وأبدلهــــا بالغين . وللشاعر الخبز أرزي(2) في غلام يلثغ بالراء أيضا أبيات جميلة يتناقلها الأدباء ، لكنه لم يستعمل اللثغة إلا في آخر البيت الأخير من أربعة الأبيات :
وشاذن بالكرخ ذي لثــــغـــةٍ * وإنمــــا شـــرطي في اللثــــغ
ما أشبه الزنبور في خصره * حتى حكى العقرب في الصدغ
في فمــه دريـــــاق لـدغ إذا * أحرق قلبي شـــــــــــدة اللدغ
إن قلت في ضمي له أين هو* تفديك روحي قال لا أدغــــي
وبعد : فقد حضرتُ خطبة الجمعة في أحد المساجد وراح الخطيب يصول ويجول متحدثا عن اختيار الزوجة ، حتى تصبب عرقا واحمرّت وجنتاه وانتفخت أوداجه
وأبان لجمهوره من المصلّين أن مما يُباح للخاطب استنطاق الفتاة ، مُعَـللاً ذلك : حتى يعرف الرجل إن كان في لسانها لثغة أو لا .. وتقدّمْتُ منه في نهاية خطبته العصماء وأخذته على انفراد ، وسألته : ولو كان في لسانها لثغة وهي جميلة وعلى دين وخلق وذات نَسَبٍ فهل يتركها الى غيرها لا لثغة بلسانها ؟؟؟ وبُهِتَ الشيخ وراح يبلع ريقه باحثا عن حـلِّ !!!
أسعفته وقلتُ له : يا أخي يستنطقها لأنَّ اللسان مرآة الفكر ، ليعرف أهي عاقلة ، وما مستوى تفكيرها ؟؟؟ وتنهَّـد شيخنا وشكرني ، قائلا : سترك الله ، والله لقد علَّمنا مشائخنا هكذا ، وهو غلط واضح ، يا أستاذي أنا ابنتي لثغاء ،، ووالله أشعر أني أظلمها وأظلم نفسي بهذه الخطبة المقررة علي من فوق ولا أملك تغييرهـا ، وأرجوك أن تبيَّن للناس ، واهتبلتُهــا فرصـة سانحة شرحت لهم شيئاُ مما فتح الله به علينا ، وقلت لهم هناك من الشعراء من كان يتغزل بلثغة محبوبتـه أوزوجته ، وكمل الفصل بالتيسير ‘ حيث اتصل بي الشيخ بعد اقلِّ من شهرٍ يخبرني أن ابنته خُطبت وستتزوج بإذن الله قريبا ، وهو يرى ذلك من بركات بياننا !
قلت له : أرانا بحاجةٍ إلى التنبيه على لثغة الفكر والفهم ، وليس لثغـة اللسان !
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ....
-----------------------------------------
حاشـــــيــة :
(1)من أصحاب اللثغة المشهورين تاريخيا ، على ماذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ، واصل بن عطاء أبو حذيفة واصل بن عطاء المعتزلي المعروف بالغزّال مولى بني ضبة وقيل مولى بني مخزوم كان أحد الأئمة البلغاء المتكلمين في علوم الكلام وغيره وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا قال أبو العباس المبرد في حقه في كتاب الكامل كان واصل بن عطاء أحد الأعاجيب وذلك أنه ألثغ قبيح اللثغة في الراء فكان يخلص كلامه من الراء ولا يفطن لذلك لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه ففي ذلك يقول الشاعر من المعتزلة وهو أبو الطروق الضبي يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة ترددها في الكلام حتى كأنها ليست فيه ( عليم بإبدال الحروف وقامع * لكل خطيب يغلب الحق باطله ) وقال آخر ( ويجعل البر قمحا في تصرفه * وخالف الراء حتى احتال للشعر ) ( ولم يطق مطرا والقول يعجله * فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر ) ومما يحكى عنه وقد ذكر بشار بن برد فقال أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ من يقتله أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ثم لا يكون إلا سدوسيا أو عقيليا فقال هذا الأعمى ولم يقل بشار ولا ابن برد ولا الضرير وقال من أخلاق الغالية ولم يقل المغيرية ولا المنصورية وقال لبعثت ولم يقل لأرسلت وقال على مضجعه ولم يقل على مرقده ولا على فراشه وقال يبعج ولم يقل يبقر وذكر بني عقيل لأن بشارا كان يتوالى إليهم وذكر بني سدوس لأنه كان نازلا فيهم ، وشهرة واصــل هذا جعلته مضرب الأمثال ... وأعرف امرأة ، اسمها زهوة العبد الله ، كانت زوجة لابن عمتي رحمهما الله تعالى ، ولم يكن أحد يعلم أنها لثغاء أبدا ، وكأن حرف الراء غير موجود ، تتكلم بطلاقة مستعيضة عن الاسم الرائي باسمٍ لا راء فيه ، وآخر عاصرها اسمه سليمان : فالحمار عندهما زمال وزماله او بهيمة والسكّر حلو والحرب خصومة و...... هكذا دواليك .
(2)الشاعر الخبز أرزي: نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري أبو القاسم توفي 317 هــ / 939 م شاعر غزل عباسي ، علت له شهرة . يعرف بالخبز أرزي ، وكان أمياً ، يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان، وينشد أشعاره في الغزل ، والناس يزدحمون عليه ويتعجبون من حاله. وكان (ابن لنكك) الشاعر ينتاب دكانه ليسمع شعره ، واعتنى به وجمع له (ديواناً) . ثم انتقل إلى بغداد، فسكنها مدة ، وقرأ عليه ديوانه ، وأخباره كثيرة طريفة .