أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم (65/196) يوم 24 آذار / مارس من كل عام يوماً دولياً للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولإحترام كرامة الضحايا.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن إختيار هذا اليوم جاء كونه يوم إغتيال المونسنيور أوسكار أرنولفو روميرو من السلفادور بإطلاق سفاح النار عليه أمام كنيسة بتاريخ 24/3/1980 ، وإعترافاً من المنظمة الدولية بالعمل الهام والقيم الذي اضطلع بها في حماية الأرواح وتعزيز كرامة الإنسان ومعارضته لجميع أشكال العنف ودعواته المستمرة للحوار وتجنب المواجهة المسلحة. وشارك المونسيور في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بلده وحظي عمله بإعتراف دولي لما كتبه من رسائل إستنكر فيها حقوق الإنسان التي تتعرض لها أشد فئات السكان ضعفاً ومن بينها النساء والأطفال.
إن الإعتداءات الجنسية على النساء كالإغتصاب والتحرشات أثناء النزاعات وفي المجتمعات الإنتقالية تشكل أشد الإنتهاكات إيلاماً من الناحيتين الجسدية والنفسية ، وتعرض النساء و / أو أحد أفرد أسرهن أو أكثر الى التعذيب والإختفاء القسري والقتل ، تشكل جميعها جرائم تتطلب الكشف السريع عن سبب إرتكابها والظروف التي أدت الى إرتكابها ومعاقبة الفاعلين لضمان عدم تكرار هذه الإنتهاكات مستقبلاً.
فمن حق الضحايا / الناجيات من الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الحصول على تعويض فعال ، ويشمل ذلك حقهن في معرفة الحقيقة حول الإنتهاكات التي عانين منها والأسباب التي أدت الى إرتكابها ومعرفة مصير ومكان وجود المختفيات والمختفين قسراً والتعرف على مرتكبي الإنتهاكات. كما أن المعرفة الدقيقة للإنتهاكات قد تمنع تكرارها ، ويمكنها من شفاء آلام النساء بعد تلك الإنتهاكات ، وقد يستعدن كرامتهن الشخصية ، وحمايتهن من سياسة الإفلات من العقاب والإنكار.
ولا تقف إحتياجات العائلات خاصة إحتياجات النساء عند معرفة مصير أحد أفراد الأسرة الذي فُقد وإنما تمتد لتطال العديد من الأمور القانونية ذات العلاقة بوضع المفقود غير المحسوم ، كالإرث والملكية والحالة العائلية من زواج أو طلاق وحضانة الأطفال ، بالإضافة الى الأمور المالية الناشئة عن رحلة البحث المضنية عن المفقود ، وتلك المتصلة بإعالة الأسرة في حال كان المفقود هو المعيل الوحيد لها.
وتضيف "تضامن" بأن إحتياجات النساء أيضاً لا تقف عند النواحي القانونية والمالية فحسب بل تمتد في أغلب الأحيان لتؤثر في النساء من الناحية النفسية ، وتشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الى وجود إحتياجات هائلة لما تعانيه النساء من الإنطوائية والشعور بالذنب والغضب والإكتئاب أو الصدمة والتوتر عند أفراد العائلات أو أفراد مجتمعاتهم ، كما وتحرم النساء من طقوس جنائزية ذات طابع ديني أو ثقافي ، فلا يجدن من السلوان إلا القليل.
وإعترافاً من المجتمع الدولي بأهمية الحق في معرفة الحقيقة ، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/2013 قرارها رقم (68/165) بعنوان "الحق في معرفة الحقيقة" ، والذي أشارت فيه الى مجموعة من الصكوك الدولية ومنها الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري خاصة الفقرة الثانية من المادة 24 والتي تنص على حق الضحايا في معرفة الحقيقة عن ظروف الإختفاء القسري وسير التحقيق ونتائجه ومصير الشخص المختفي ، والفقرة الثالثة من نفس المادة التي تلزم الدول الأطراف بإتخاذ التدابير الملائمة بهذا الخصوص. كما أشار القرار الى مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال مكافحة الإفلات من العقاب ، والى ضرورة إتخاذ الخطوات الكفيلة بتحديد هوية الضحايا في الحالات التي لا تشكل نزاعاً مسلحاً خاصة في حالات الإنتهاكات واسعة النطاق والممنهجة لحقوق الإنسان.
كما ويؤكد القرار على أهمية إجراء الدراسات لبيان علاقات الترابط القائمة بين الحق في معرفة الحقيقة والحق في الوصول الى العدالة والحق في الحصول على إنتصاف فعال وفي الجبر ، خاصة في حالات الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإنتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. ويعترف القرار بأهمية إحترام وضمان الحق في معرفة الحقيقة من أجل المساهمة في وضع حد للإفلات من العقاب وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
ولتحقيق هذا الهدف فقد رحب القرار بإنشاء عدة دول لآليات غير قضائية وآليات قضائية محددة كلجان الحقيقة والمصالحة التي تكمل نظام العدالة ، وشجع الدول ذات العلاقة بنشر توصيات الآليات غير القضائية وأن تعمل بها وترصد مدى تنفيذها. ويشجع القرار الدول الأخرى على إنشاء آليات غير قضائية وتقديم المساعدات اللازمة والملائمة لها بما فيها التعاون التقني وتبادل المعلومات بشأن التدابير الإدارية والتشريعية والقضائية وغير القضائية.
إن أرقام اللجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 2012 المتعلقة بالمحتجزين والمحتجزات تشير الى زيارة 540669 محتجزاً / محتجزة داخل 1744 مكاناً للإحتجاز في 97 دولة ومنطقة من بينهم من هم خاضعون للولاية القضائية للمحاكم الدولية والمحاكم الخاصة. وتم رصد 26609 من هؤلاء بشكل منفرد ومن بينهم 626 إمرأة و 1235 قاصراً وقاصرة. ولأول مرة خلال عام 2012 قامت اللجنة بتسجيل وزيارة 13569 محتجزاً من بينهم 283 إمرأة و 1085 قاصراً وقاصرة ، وتمكنت من تسهيل زياره أفراد عائلات حوالي 13913 محتجزاً وإصدار 17358 شهادة إحتجاز.
وفي مجال لم شمل العائلات فقد تمكنت اللجنة عام 2012 من تسلم وتسليم 50 ألف رسالة بين المحتجزين وعائلاتهم ، وتسجيل أكثر من 3500 طفل / طفلة غير مصحوبين أو منفصلين عن عائلاتهم منهم 597 من الجنود الأطفال السابقين ، كما تم لم شمل أكثر من 2300 طفل / طفلة مع أسرهم ، كما وأطقلت موقعاً جديداً لإعادة الروابط العائلية وعنوانه www.familylinks.icrc.org .
وإستناداً الى دراسة مفصلة عن الإحتياجات الخاصة بالنساء المتضررات من النزاعات المسلحة بعنوان "النساء يواجهن الحرب" ، أصدرت اللجنة دليلاً بعنوان "تلبية إحتياجات النساء المتضررات من النزاعات المسلحة : وثيقة توجيهية" يقدم معلومات ذات طابع عملي حول العمل مع النساء ومن أجلهن بطريقة أفضل في مجالات مختلفة كالوقاية والحماية لمنع إساءة معاملة النساء خاصة من الإعتداءات الجنسية ، وظروف إحتجاز النساء ، وجمع البيانات التي تراعي النوع الإجتماعي والمساواة بين الجنسين .
وتؤكد اللجنة على أن النساء الأكثر تضرراً عند فقدان أحد أفراد الأسرة خاصة الأزواج :"فغالباً ما يضاف قلق عدم معرفة مصير أحد الأحباء وعدم القدرة على إتمام عملية الحداد على قريب أصبحت وفاته شبه مؤكدة , إلى الصعاب الاقتصادية الناجمة عن فقدان معيل الأسرة. وتواجه النساء اللاتي إختفى أزواجهن العديد من المشاكل نفسها التي تواجهها الأرامل بالرغم من عدم الاعتراف لهن بهذا الوضع. فهن لا يعتبرن زوجات ولا أرامل ويفتقرن إلى الدعم القانوني الذي يحق لأرملة التمتع به , وهو بالتالي ما يعرض للخطر حقوقهن في التملك, والميراث, والوصاية على الأطفال, وإمكانية الزواج مرة أخرى."
وتشمل مساعدة النساء في ظل هذه الظروف تحقيق الأمن الإقتصادي من خلال برامج تساعدهن على إستعادة إستقلالهن وكرامتهن ، والحد من تعرضهن للخطر عند قيامهن بأعمالهن اليومية وتأمين إحتياجات أسرهن ، وتمكين النساء من الحصول على الرعاية الطبية لهن ولأطفالهن بتقديم الدعم للمراكز الصحية التي تخدمهن ، وضمان إعادة تأهيلهن من إصابات النزاعات وتمتعهن بنفس خدمات إعادة التأهيل الجسدي التي تقدم للرجال.
هذا وقد إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2006 "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري" ، وتهدف الإتفاقية إلى منع وقوع حوادث الإخفاء القسري ، وكشف النقاب عن الحقيقة في حالة وقوعها ، ومعاقبة الجناة ، وتقديم تعويضات للضحايا أو لعائلاتهم. وفي 30 أغسطس / آب من عام 2008 عمل التحالف الدولي لمكافحة حالات الإختفاء القسري على الترويج للتصديق على الإتفاقية.
ويشار الى أن اللجنة تعمل في الأردن منذ عام 1967 ، وتتمثل أولوياتها في رصد المعاملة التي يلقاها المحتجزون والمحتجزات وظروفهم / ظروفهن المعيشية، وإستعادة الروابط العائلية التي مزقتها النزاعات ، والمحافظة عليها ، والتعريف بالقانون الدولي الإنساني ، ودعم جمعية الهلال الأحمر الأردني ، إضافة إلى ذلك يعد الأردن مركزاً مهماً للأعمال اللوجيستية والتدريبات التي تجريها اللجنة الدولية في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن ، كما تعد عمان مركز التدريب الرئيسي لبعثات اللجنة في الشرق الأوسط ودول البلقان والقوقاز.
وفي إطار التوعية الدولية ، أطلق المركز الدولي للعدالة الإنتقالية حملته تحت شعار "الحقيقة أساس العدالة" ، وأصدر كتيب "البحث عن الحقيقة : إنشاء لجنة حقيقة فعالة". وقال إدورادو غونزالس ، مدير برنامج الحقيقة والذاكرة وأحد مؤلفي الإصدار الجديد : "ليس من السهل تأسيس لجنة حقيقة، إذ أن فاعليتها تعتمد على عدد كبير من التوازنات الدقيقة. ولكن إذا تم توفير الظروف الملائمة، فهي تمثل عملية مهمة ينبغي على المجتمعات القيام بها. وعادة ما يكون الكشف عن الحقيقة هو الخطوة الأولى في إصلاح المجتمع وتحوّله."
وتضيف "تضامن" بأنه ولغاية منتصف عام 2013 تم إستحداث (40) لجنة حقيقة رسمية في جميع دول العالم وعدد من لجان الحقيقة المبتكرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ، ونظراً لأهميتها فقد أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار الى أنه : "عادةً ما يُحرَم ضحايا الفظائع الشنيعة، مثل الإبادة الجماعية أو التعذيب المنهجي أو الإخفاء القسري أو القمع من قبل الدولة، من الحق بمعرفة الحقيقة بشأن ما حدث لهم ولأحبائهم ولبلدهم. إن الكشف عن الحقيقة هو تأكيد لمكانة الضحايا بوصفهم أصحابَ حقوقٍ وأعضاءَ في المجتمع."