لست متابعة كبيرة للمسلسلات التركية ولكنني بمحض الصدفة تابعت مسلسل "أسميتها فريحة "من بطولة الفنانة التركية"هازال كايا"، والذي عرض مؤخرا على إحدى القنوات المصرية، أعجبت بالسيناريو وبتفاصيل طرح الأحداث وبتمكن الممثلين في تأدية الأدوار، ولم أشعر بالغربة الثقافية والاجتماعية في هذا المسلسل الذي أحسست أنه قريب من الواقع العربي المعاش.
المسلسل لم يتميز بقصة حب رومانسية جارفة جمعت البطلين (فريحة وأمير ) فحسب، بل طرح في قالب مختلف مدى تأثير الفوارق الاجتماعية في علاقة الحب الذي صمد رغم كل شىء: رغم الأكاذيب التي ارتكبتها "فريحة " في البداية بسبب عقدة الشعور بالنقص لفقرها، وبسبب الفجوة الاجتماعية بينها وبين أمير، وبسبب حبها وخوفها من خسارته ورغم اكتشاف أمير لأكاذيبها ومحاولة معاقبتها بشتى الوسائل الا أنه سامحها لحبه الكبير والصادق لها ، ورغم كل العوائق ، والمعاناة، والصعوبات والمسافات التي وضعت في طريقهم من طرف الغير .
المسلسل تطرق أيضا الى العلاقة القوية التي تجمع الأم بابنتها فريحة والتي ترى فيها النجاح الذي لم تنله في حياتها والحب الذي لم تستطع الحصول عليه و تخلت عنه بسبب قسوة العادات والتقاليد السائدة في القرية، وتجدها تعاطف وتتفهم حب ابنتها "فريحة" لأمير .
المسلسل تناول موضوع العنف ضد المرأة فالبطلة "فريحة" انكشفت من طرف أخيها في مشهد رومانسي مع حبيبها" أمير " وقد تضخم الأمر وتطور وتأول في ذهنية أخيها وأثر في مصيرها ، إلى درجة الانقضاض عليها ضربا ولم يكتف بتعنيفها جسديا ولفظيا بل قام بمصادرة حريتها وتقرير مصيرها بالنيابة عنها كما عاقبها والدها بمحاولةإرسالها للقرية .
ثم تطورت الأحداث وتصاعدت لدرجة مطالبة أخيها بأن تعمل فحص كشف "العذرية "، الذي رفضت"فريحة "الامتثال لطلبه ، وهنا نكتشف مدى تواطؤ العمة واقتناعها بوجهة نظر ابن أخيها التي تعتبر في حقيقة الأمر وجهة نظر اجتماعية لدى البعض ، بقولها :"ما الضير في أن تقومي بالكشف عن "العذرية "طالما أنك لم ترتكبي"الخطأ"، وكأن كل ما تعرضت له البطلة من ظلم وعقاب ، وكأن الدافع الحقيقي من وراء هروبها بمساعدة حبيبها الذي تزوجته فيما بعد ، لا يساوي شيئا ولا أهمية له أمام حقيقة واحدة تختصر في الشرف الجسدي ( العذرية ) . وان لا مجال للحوار والتفاهم خارج دليل الشرف المادي .
ولعل السبب الرئيسي الذي شجعني أن أكتب عن المسلسل التركي "أسميتها فريحة "هو الحوار الذي أجري مع الفنانة التركية الموهوبة"هازال كايا"والذي بثته إحدى القنوات التلفزيونية التركية حيث لفتت انتباهي بإجابتها الواثقة وهي تقول :"ان الفنان قدوة عندما رفضت تصوير مشهد فحص العذرية والذي كان مطروحا في السيناريو ، فإن هذا لأن المسلسل أكثر متابعيه من فئة المراهقين والمراهقات يعتبرن فريحة قدوة لهن ويتأثرن بها في الواقع ، لذلك يجب الحرص فيما نقدمه من أفكار ورسائل ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن نجعل كشف العذرية أمرا عاديا".
وقد أعجبتني إجابتها فإذا كان البعض يرى أن الممثل مطالب بتأدية الدور كما هو موجود في نص السيناريو وليس مطالبا بالتدخل الا أن " هازال كايا " قالت رأيها وابتعدت عن تصوير المشهد وهذا إن دل على شىء انما يدل على وعيها الثقافي ووعيها يالمسؤولية الملقاة عليها كفنانة وانسانة.
ان طرح قضايا في المسلسلات كالعنف ضد المرأة ، والتحرش الجنسي ، وقضية العذرية وغيرها من القضايا الجادة على الجمهور لأمر في غاية الأهمية ،كونها قريبة من الواقع سواء كان هذا الواقع عربيا أو تركيا طالما المجتمعات العربية والاسلامية مثقلة بنفس نمط التفكير ازاء العادات والتقاليد والتي غُرست في الوعي المجتمعي كمبدأ اتِّفاق قنن حركة المرأة وأدوارها الاجتماعية وحدَّدها في قالب ضيِّق، دخلت ضمن سياق العادات والتقاليد التي تربط نفسها غالباً بالمرجعية الدينية فتكسب إلزاميَّتها وتصعب مقاومته.
ان المسلسلات التركية ازداد رواجها في العالم العربي في السنوات الأخيرة ، ومع هذا النجاح زاد الانتقاد لها بحجة التأثير في المنظومة الاجتماعية والثقافية العربية من حيث بعض الممارسات الحياتية اليومية التي تختلف عن البيئة الثقافة والإجتماعية العربية، وهنا تذكرت نفس الأمر عندما كنت أعيش بالجزائر وذلك الانتقاد الموجه للمسلسلات المصرية التي كانت تذاع بشكل كبير آنذاك ثم إن الحب والصعوبات والعراقيل والخيبات لا تحمل جنسية فالهموم الانسانية متقاربة و موجودة في كل مكان في الكون.