التحرش بمفهومه العام هو فعل غير مرحب به يحمل الكثير من المضايقة التي تنطوي تحتها مجموعة من الأفعال والانتهاكات البسيطة إلى الجادة.
ولعل أول ما يطرق على بال المستمع لكلمة تحرش لحاق الكلمة الأولى بكلمة ثانية وهي "جنسي" أي تحرش جنسي، وهو من أشكال التفرقة العنصرية الغير شرعية والتي تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية واباحية سواء بإلقاء الكلام أو اللمس وصولاً إلى نشاطات جنسية مرفوضة إجتماعياً وإخلاقياً ومحرمة دينياً، مما يعتبر التحرش فعل مشين بكل المقاييس لما يحمله من أشكال الإيذاء الجسدي كالجنسي والنفسي على حد سوء.
وقد استخدم مصطلح التحرش الجنسي في عام 1973 في تقرير إلى رئيس ومستشار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا آنذاك عن أشكال مختلفة من قضايا المساواة بين الجنسين. ووضع سياسات وإجراءات ذات الصلة. معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في ذلك الوقت اعترف أيضا بالإصابات الناجمة عن المضايقات العنصرية والمضايقات التي تتعرض لها النساء ذوات البشرة الملونة. وذكر رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيضا أن التحرش يتناقض مع رسالة الجامعة، وكذلك لا يطاق بالنسبة للأفراد.
من أشكال التحرش الشائعة بين الشباب المراهق وكبار السن على حد سواء، اللمس، المطاردة، التعليقات الجنسية والإيحائية، النداءات، التعبيرات الجسدية بالوجه والأعضاء الأخرى، إطالة النظر على الضحية مما يشعرها بعدم الأمان أو الاحترام أو الارتياح، التعري، المكالمات والمضايقات المستمرة، وصولاً إلى التحرش على الإنترنت.
ظاهرة التحرش الإلكتروني من الظواهر التي برزت بشكل لافت من خلال عصر الاتصالات الإلكترونية وخدماتها المختلفة، مما أتاح فرصة كبيرة إلى كلا الطرفين، الطرف الأول وهو الجاني في أن يفعل أقبح الأفعال وأكثرها أذية دون التعريف عن هويته والتخفي بهوية مجهولة، والطرف المجني عليه في أن يبوح بقصته وبسرد أحداثها من الألف إلى الياء بإعتبار أنه لن يتعرض إلى الهجوم بأن يكون هو المسبب أو لأقوال المجتمع التي غالباً ماتلوم في هكذا وضع "المرأة".
ومن اللافت ذكره أن الدول العربية حصدت أعلى المراتب في احصائيات عديدة كالأكثر بحثاً عن المواد الجنسية عبر الإنترنت، مما يوضح أسباب دخول هذه الظاهرة إلى الدول العربية والتي كان يعتقد حتى وقت قريب أنها ظاهرة تخص الغرب فقط.
في الجانب نفسه لا يزال نحو 30 بالمائة من الطلبة الأميركيين يعانون التحرش بهم إلكترونياً، برغم القوانين الحادة التي تؤكد عدم قانونية مثل ذلك الفعل.
وهو ماوصفه خبراء التحرش الإلكتروني بأن تلك الأفعال ناتجة عن الاستخدام المفرط والمستمر لوسائل التكنولوجيا المختلفة، مما أتاح سرد قصص المراهقين الذين سبق وتعرضوا لايذاء بدني او نفسي او جنسي، وهو ماسهل بنشر تلك القصص كثقافة جنسية من نوع آخر يجد البعض فيها لذتهم، والتي تساعد بطريقة غير مباشرة على الانحراف.
كذلك ساعدت العديد من المواقع والمنتديات عبر نشر مواد اباحية في تفشي ظاهرة التحرش الالكتروني، وقد سعت تلك المواقع الى اثارة الغرائز عن طريق الصور التعريفية او المشاركات الصريحة والمبطنة على حد سواء.
وكان بذلك المستهدفين هم غالباً من أصحاب المراهقة المتأخرة أو الأطفال والفتيات المراهقات.
وقد أشارت دراسة حديثة أعدتها مؤسسة هاريس التفاعلية إلكترونيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وشملت 503 من مستخدمي الهواتف النقالة في الفئة العمرية من 13 وحتى 17 عاماً من الجنسين في الولايات المتحدة، إلى أن 41% من المراهقين تعرضوا للتحرش الإلكتروني، كما أقر 25% منهم بأنهم أنفسهم يتحرشون بالآخرين.
ويرجع هنا أسباب تضخم الظاهرة بسرعة لم تعهد، هو الفراغ الكبير الذي يعاني منه الشباب اليوم والهوس الإلكتروني الغير مدروس من قبل الأهل، كذلك خلوة الأولاد واعطائهم حرية تفوق سنهم وماهو غير مسموح به مقارنة بأعمارهم، إلى جانب البطالة التي أقعدت الكثير من الشباب على مقاهي الانترنت لادمان غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعية حتى انفصلوا بشكل تام عن حياتهم الطبيعية وكونوا لحياتهم جدارا الكترونيا اختراقه بات من المستحيل لديهم.
التحرش الجنسي ليس أبداً حدثاً عادياً يمكن تجاهله، ولا يمكن بنفس الوقت أن يترك الأمر للمتحرش ليقرر هو ما الذي يعد تحرشاً وما الذي لا يعد تحرشاً لأن الاعتداء على حريات الآخرين والخروج عن حدود حريتك هو جريمة.
وبذلك فإن التحرش الجنسي ليس خطأ المتحرش به أو المعتدي عليه، ولا يمكن أبداً ان يتم استخدام اعذار لتبرير التحرش، لأن الشخص المعرض للتحرش أو الاعتداء ليس مسؤولاً بالمرة عن أي نوع من أنواع التحرش الجنسي الذي يتعرض له، لا بشكل جزئي ولا كلي.