جميعنا نقرأ ونسمع ونشاهد نشرات الأخبار التي تتحدث عن إلقاء القبض على مهاجرين غير شرعيين دخلوا لإحدى الدول الأوروبية خصوصاً تلك التي لها سواحل بحرية، حيث تصلها قوارب مهترئة مشحونة بالناس، ومعظم هؤلاء المهاجرين يلجؤون للهجرة للهروب من الفقر وسوء الأحوال الأمنية ـ الحروب الأهلية ـ أو بسبب تدهور اجتماعي وغيرها من الأسباب، وتبدأ أولى عمليات الهجرة بركوب البحر والتي لقي الكثير خلالها مصرعهم وسط الأمواج العاتية العالية، وترافق المهاجر أحلام كبيرة وعريضة تصطدم بالواقع القاسي العنيف، والبعض منهم يبذل حياته ثمناً لهذه الأحلام.
أتوقف دوماً أمام كم هائل من القصص المؤلمة التي يرويها الكثير من اللاجئين بعد إلقاء القبض عليهم من خفر السواحل وأمن الحدود في الدول الأوروبية. لكنني في الوقت نفسه لا يمكن أن أجد تبريراً مقنعاً لشخص قرر الهجرة من بلاده بسبب الفقر أو بسبب عدم وجود عمل، ويستنكف ويرفض العمل في أعمال يدوية، بينما هو يتمتع بقوة بدنية وجسمانية كبيرة ونشاهده في إحدى العواصم الأوروبية يعمل في أعمال متواضعة متدنية، ويعيش في هذا البلد الأوروبي على الكفاف فهو في حياة فقر وتشرد أكبر وأكثر من بلاده.
تشاهده يبذل جهوداً مضنية جسدية وذهنية لمحاولة النجاح في الانغماس في هذا البلد الأوروبي، فهو يحاول فهم القوانين والأنظمة والثقافة، ثم يبدأ في محاولات إتقان لغة البلد الذي يعيش فيه. وفي كل تفصيل حياتي مرحلة جديدة من محاولة التعليم وتطوير نفسه، وبعد عدة سنوات مضنية متعبة تجده لايزال في صراع حول الاندماج أو المحافظة على هويته الأساسية. مرة يعيش مرحلة رفض تام ومرة أخرى تجده داعياً للاندماج.
أتذكر قصة مهاجر قرأتها قبل فترة من الزمن تحكي عن شاب إفريقي كان ينتظر هو واثنان من أصدقائه مركباً لينقلهم في هجرة غير شرعية نحو أوروبا، وخلال انتظارهم شاهد سفينة صيد كبيرة ترسو في الميناء فتوجه نحو الربان، وسأله إذا كان يوظفه وصديقيه معهم في صيد السمك، والمدهش أن الربان وافق مباشرة، وعاد لصديقيه وأبلغهم بأنه وجد لهم جميعاً عملاً، لكنهما رفضا وتمسكا بحلم الهجرة. مضت السنوات، هو شق طريقه نحو صيد السمك في بلده وأسس شركة لصيد الأسماك وبيعها، أما صديقاه فأحدهما غرق خلال رحلة الهجرة، والثاني عاد كعامل صيد في شركة صديقه. إنها مفارقة محزنة، جميعهم كانت لهم أحلام لكن واحداً منهم فقط كان يعلم ما الذي يحتاجه وعمل له.