علاقة المرأة بالسياسة علاقة جدلية قديمة. فقد حازت المرأة على قدر كبير من الأدبيات السياسة، حيث نعتت تارة بأنها تفتقر للخبرة السياسية، على الرغم من امتلاكها لأدوات كثيرة تعد في نظر المحللين رصيداً كبيراً لو امتلكها السياسي الرجل، وتارة أخرة هي رمز للدهاء السياسي والصبر وصفات كثيرة مهمة سياسياً.
هذه النظرة غير المتوازنة وغير المنصفة للمرأة لم تؤثر كثيراً على وصول المرأة في العديد من البلدان لمراكز قيادية يحسدها عليها الرجال. ولكن وصول بعض النسوة، وفي بعض البلدان، لا يعني أن المرأة قد أنصِفت في مجال التمكين السياسي. بل بالعكس فقد استغلها السياسيون كهدف للوصول إلى غايات ومآرب كثيرة.
فمنذ الأزل والمرأة تستغل كهدف سياسي يثار حوله الجدل كما تثار حوله العديد من الأسئلة والانتقادات، هل المرأة بطبيعتها المستكينة هي التي سمحت للرجل باستغلالها للوصول إلى غايات ترضي الطرفين؟ هل المرأة راضية عن دورها في هذه اللعبة أم أنها تحاول عبرها أن تجذب الانتباه لمكانتها ودورها في المجتمع عبر اشتراكها في تنفيذ أجندات سياسية معينة؟
هذه الأسئلة وغيرها تثار يومياً ونحن نتابع دور المرأة في السياسة لا يتطور ويتبلور فحسب بل يتعقد ويتشابك خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية. ففي هذه المنطقة زج بالمرأة منذ القدم لكي تلعب دوراً سياسياً ليس إيماناً بقدراتها فقط بل لأن هذا الزج سوف يحقق لهذا التيار أو ذاك مكاسب سياسية عديدة. فلا غرو أن نجد أن دور المرأة في منطقتنا العربية لا يبدو في خط تصاعدي مستقر، ولكن في خطوط متذبذبة اعتماداً على التيارات الصاعدة والواردة إلى منطقتنا.
ولا غرو أيضاً أن نجد أنه لا شغل يشغل المنظمات الدولية اليوم سوى وضع المرأة المترجرج في منطقتنا والذي استخدم المرأة كأداة سهلة لتنفيذ أجندات متنوعة. من جانبها لم تسلم المرأة من النقد. فقد وجهت لها تهم عديدة من ضمنها أنها هي من سمح لتلك التيارات بأن تتخذ منها أداة سهلة في لعبة السياسة.
فقد جعلت المرأة من نفسها طرفاً غير محايد استخدمتها كل التيارات للضغط على بعضها بعض لتنفيذ أجندات سياسية مختلفة. فافتقارها إلى الخبرة ورغبتها في أن تحتل المكانة المجتمعية التي تعتقد بأنها تليق بها جعلها تتنازل عن حريتها وتضع نفسها أداة سهلة في يد كل تيار. دينياً زجت المرأة في الكثير من القضايا الشائكة والمعقدة بهدف الوصول إلى غايات عقدية وسياسية معينة. فمثلاً استخدمها الإسلام السياسي كورقة ضغط على باقي الأفكار والتيارات الحداثية المنافسة لها على السلطة والنفوذ.
وقد ترجرج وضع المرأة بالنسبة لهذا التيار الذي استخدمها كورقة ضغط سياسي وشعبي. فأحياناً ناقصة عقل ودين وأحياناً هي مستغلة جسدياً ومجتمعياً. فتاوى كثيرة طالتها ونالت منها والهدف واضح باستغلالها كوسيلة ضغط سياسي على باقي التيارات والأفكار المنافسة. ولكنها في حقيقة الحال بالنسبة لهذا التيار لا يعدو كونها أداة سهلة للوصول وتحقيق غايات معينة. زج بها في الجهاد كإرهابية أحياناً ومجاهدة أحياناً أخرى. ظهر مصطلح جديد هو "جهاد النكاح" واستغلت المرأة أسوأ استغلال.
روج لها كسلعة وجارية أحياناً كثيرة. فنجد البعض يسعى للترويج للزواج من المسلمات في بلاد أوروبا مثل الشيشان والبوسنة بحجة أن الإسلام يشجع مثل هذا الزواج لصون كرامة المسلمات بينما ينسون أن أفريقيا أيضاً بها مسلمات وأنهن يعانين من الفقر والتنصير. الكثير من الفتاوى طالت المرأة ومكانتها ليس لأغراض التوعية الدينية ولكن لتحقيق أهداف ومآرب سياسية ضيقة. لم يسلم تيار من التيارات السياسية من النقد لاستغلاله المرأة.
فقد اتخذتها معظم التيارات الفكرية كأداة لتنفيذ أهدافها وزج بها في الكثير من الأفكار والعقائد الشائكة واستغلتها جماعات متعددة الأهداف والخلفيات والانتماءات كل يهدف إلى استغلالها لمصلحته. فهي ثائرة أحياناً ومجاهدة جهاد النكاح أحياناً أخرى، هي سياسية قديرة أحياناً وامرأة مستكينة وضعيفة أحياناً أخرى، هي مثقفة جديرة أحياناً وجاهلة أحياناً أخرى. حتى الأدبيات المعاصرة لم تنصف المرأة الإنصاف الذي تستحقه بل ساهمت في التأثير عليها في الكثير من الأحيان سلباً.
من ناحيتها لم تجد المرأة بداً من المشاركة في لعبة السياسة باقتدار مستغلة كل طاقاتها وكل الضغوط التي تمارس على بني جنسها. فعلي الرغم من الاتهامات التي وجهت لها بنقصان الخبرة السياسية إلا أن بعض النسوة قد أثبتن دراية وحنكة في عالم السياسة تفوق الرجل خاصة في المجتمعات التي تمنح المرأة فرصة التفوق والبروز.
فظهرت نساء في عالم السياسة قدنا بلدهن إلى مواقع متقدمة مثل مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة والمستشارة الألمانية الحالية انجيلا ميركل وغيرهن من نساء السلطة اللواتي أظهرن حنكة كبيرة في ظل التقلبات الدولية الحادة والتي تتطلب حنكة وخبرة ودراية كبيرة. المرأة هي نصف العالم ولن يصلح العالم ما دامت هناك امرأة مستكينة ومهمشة. هذه هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل تيار لا هدف له من وراء إشراك المرأة إلا تحقيق غاياته الخاصة.