أتابع أخبار المرأة العربية بانتظام، وأحاول أن أنتصر لها إذا رأيت فرصة، وقد وجدت عبر تجربة سنوات أن في مقابل كل خبر سار هناك بضعة عشر خبراً مؤلماً أو مؤسفاً أو يعكس جاهلية جديدة.
في الثالث من هذا الشهر سررت أن أقرأ في موقع «أريبيان بيزنس» قائمة أنجح السيدات العربيات، فبينهن نساء أعرفهن وأفخر بإنجازاتهن، مثل صاحبة المركز الأول الشيخة لبنى القاسمي، وزيرة التعاون والتنمية الدولية في الإمارات، ولبنى العليان في المركز الرابع، وليلى الصلح في المركز 14، ويسرا في المركز 29، وبدرية البشر في المركز 52، ومنى المري في المركز 57، ومنى أبو سليمان في المركز 61.
الأخبار الأخرى أكثر، فالثامن من هذا الشهر كان يوم المرأة العالمي الذي شهد احتجاجات نسائية في عواصم عربية ومطالبة بالحقوق. وأقرأ عن امرأة مسلمة من أصل باكستاني ولِدَت في بريطانيا وزوجها يرغمها على الإجهاض، إذا أظهر فحص الأشعة أنها حامل بأنثى. ثم أقرأ أن أكاديميات ناشدن مجلس الشورى السعودي إلغاء نظام الولاية المُطلقَة على المرأة. حتى في العراق، الذي كان بلداً متقدماً في حقوق المرأة قبل أن يبتلى بولاية فقيه مقنَّعة، أقرأ تقريراً لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان يطالب مجلس الوزراء العراقي بسحب مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية يسمح بزواج الفتيات من سن التاسعة. وقرأت بعد ذلك عن معاناة بنت زوّجها أهلها وهي في العاشرة. وبدأ الشهر وكاد ينتهي وقد سئمت الحديث عن الختان والحملة العالمية عليه والمطالبة بقانون يمنعه.
لن أعود اليوم إلى بطلات التاريخ الإسلامي حول رسول الله كما سجلت سيرتهن العطرة الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) وإنما أختار من كتاب «تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة» لأستاذي في الماجستير إحسان عباس، رحمه الله. أنقل باختصار:
كانت المرأة الأندلسية واسعة النفوذ تتمتع بقسط كبير من الحرية، ولا تقل عن المرأة المشرقية في مدى النفوذ السياسي، فكانت عَجَب ذات سلطانٍ واسع أيام هشام بن عبدالرحمن. وظلت تسيطر كثيراً في أيام عبدالرحمن ابنه. وقد نقم الناس على القاضي محمد بن زياد لخضوعه لامرأته كفات. وفي أيام عبدالرحمن الناصر كانت رسيس مقرّبة منه حتى أنه جعلها تخرج معه في موكبه وهي تلبس قلنسوة وتتقلد سيفاً، وشق قرطبة على هذه الحال حتى بلغ الزهراء. ولا ننسى ما كان لصبح من النفوذ أيام الحَكم وفي جانب من عهد أبي عامر.
وتولت المرأة المناصب العليا أيضاً، فكانت لبنى كاتبة للخليفة الحكم بن عبدالرحمن، وهي نحوية شاعرة بصيرة بالحساب عروضية خطاطة. وشارك بعضهن في رواية الحديث فكانت عالية بنت محمد تروي الحديث وكذلك كانت فاطمة. وشاركت أخريات في الشعر. ومنهن عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم القرطبية، وكانت تمدح ملوك زمانها وتخاطبهم بما يعرض لها من حاجاتها، وقد جمعت لنفسها مكتبة قيّمة، وصفية بنت عبدالله الديي، ومريم بنت أبي يعقوب الفيصولي، والغسانية الشاعرة التي كانت تمدح الملوك وعارضت ابن دراج في إحدى قصائده حين مدحت خيران العامري.
وبلغ الأمر أن المكانة التي بلغتها المرأة نبَّهت الأندلسيين إلى التساؤل حول علاقة المرأة بالنبوة، وكتب ابن حزم عن اختلاف الناس بين مؤيد ومعارض وساكت. وقد أبى ابن حزم نفسه أن يقبل إطلاق الحديث القائل بنقص الدين والعقل في المرأة في كل الأحوال، وقَصَرَه على نقصان حقها في الشهادة وعند الحيض، «إذ بالضرورة ندري أن في النساء مَنْ هن أفضل من كثير من الرجال وأتمُّ عقلاً وديناً في الوجوه التي ذكر النبي (صلى الله عليه وسلّم)».
كم مرة قلت: «أين كنا وأين صرنا».