يتعرض الإنسان بشكل يومي إلى حالات عاطفية مختلفة من غضب وتوتر وفرح وحماس.. وهذه الحالات العاطفية يتأثر بها الإنسان من الأشخاص الذين من حوله ومن خلال البيئة التي يعيش فيها.. ويحب الإنسان من وقت لآخر اللجوء للطبيعة للاستفراد بذاته بعيداً عن الضوضاء للتقليل من الشحنات السالبة التي يمكن أن يشحن بها نفسه من خلال تعامله مع الآخرين، فالطبيعة من أشجار وهواء تصفّي الذهن وتمدّ الإنسان بطاقات إيجابية جديدة. وكثيراً ما نضطر إلى إخفاء مشاعرنا حتى لا يترتب على إظهارها عواقب سلبية، نندم عليها لاحقاً، ومثال على ذلك التصرف بأسلوب عدائي في ساعات الغضب، أو التعبير بأريحية عن مشاعرنا أمام الناس، فيسيئون الحكم علينا. فالإنسان بطبيعته يشعر بارتياح عند إخفاء مشاعره الخاصة، وبخاصة مشاعر الانتقاد والكراهية، والحب والإعجاب التي يكنها إلى شخص ما. وتختلف دوافع إخفاء تلك المشاعر من شخص إلى آخر، وتبعاً للظروف والأحداث. ولكن أين تذهب كل تلك المشاعر والأفكار المخفية؟
تُخزّن الأفكار بشكل تلقائي وفوري داخل العقل الباطن في الإنسان، ويبدأ هذا العقل بخلق شخصية بديلة للواقع تبادلك الحوار وتتجاوب معك، فما تلبث إلا أن تجد نفسك في حوار داخلي مع شخصية صريحة، معاتبة، صادقة وتعرفك تمام المعرفة، وهذا الشخص لا يخجل من انتقادك أو التعبير عن مشاعره بحرية، ولا تخجل أنت من تأنيبه أو التعبير عمّا يجول في فكرك أمامه، فتجد فيه الصديق الوفي الذي يمكنك أن تبوح له دون أي خوف أو قلق أو خجل.(1)
فهل نعي مقدار أهمية الأحاديث الداخلية وأثرها على حياتنا وسلوكياتنا والحالة العاطفية التي نشعر بها.؟
للحديث مع النفس أهمية جوهرية ذات تأثير قوي وشديد الحساسية، فالحديث مع الذات هو فكرٌ قائم بحدّ ذاته، ومن أدرى بنا أكثر من أنفسنا؟ فنحن نستخرج مكنونات رغبات النفس (من أفكار ومشاعر)، بشكل يومي وطبيعي. نشكو إلى نفسنا نسألها، نعاتبها، نعترف لها، ونسمع لنصيحتها. وبالتالي يكون تأثيرها على أفعالنا كتأثير التنويم المغناطيسي، وفي كثير من الأحيان دون وعي منا بهذا التأثير. فيتحول هذا الفكر من حديث مع النفس إلى أفعال، وما يلبث أن يصبح عادة يمارسها الشخص كل يوم، تُحدّد طباعه، الهدوء، الحِدّية، العصبية، القلق.. ومن هنا وجب علينا التعرُف على سيناريوهات حديث النفس، حتى نتمكن من فهم طباعنا والتحكم بانفعالاتنا.
وصقل السلوك الإنساني ينجح بالتحكم الذكي بالانفعالات، وهذا التحكم يحتاج إلى عدة مهارات إنسانية تحتاج إلى تدريب ونلخصها في:
ــــ رفع مستوى الوعي بالذات.
ــــ التعرُف على الحوارات الداخلية مع النفس إن كانت إيجابية أم سلبية.
ــــ الفهم الصادق والجريء للرغبات والاحتياجات التي نشعر ونفكر بها.
ــــ برمجة الحديث مع النفس ليكون إيجابياً يحاكي الرغبات الشخصية، ولا يدمرها.
ــــ رسم صورة إيجابية للذات أمام نفسها وأمام الآخرين.
ــــ شحن الذات لمقاومة السلبيات، واكتساب إرادة أقوى نحو السلوك الإيجابي وتحقيق الرغبات. (2)
وعلينا أن نتعلم التعبير عن أنفسنا بتلقائية وبطريقة صحية ، وأن نكون صادقين مع أنفسنا فعلينا أن:
نراقب أفكارنا لأنها ستصبح أفعالاً .
ونراقب أفعالنا لأنها ستصبح عادات .
ونراقب عاداتنا لأنها ستصبح طباعاً .
ونراقب طباعنا لأنها ستُحدد مصيرنا .
ومهم أن نوضح بأن العقل الباطن يؤثر كثيراً على أفكارنا وسلوكياتنا وانفعالاتنا وتعبيرنا عن أحاسيسنا ومشاعرنا. وبما أن الأحلام هي المترجم الفعلي للعقل الباطن ـ كما يقول "فرويد" ـ فكثيراً ما نرى في المنام أموراً نتمنى في واقعنا الوصول إليها. وبالتالي فالعقل الباطن يختزن الرغبات والمشاعر والأفكار الدفينة التي نحاول إخفاءها في حياتنا الواعية، إلى حدّ نجحنا في إخفائها عن أنفسنا. فلم نعد نعرف تماماً ما يختزنه هذا اللا وعي، وما هي الرسائل التي يستقبلها ويخزنها. ويعتمد العقل الباطن على نوع الرسائل المختلفة الموجهة إليه مهما كانت (إيجابية أم سلبية). فهل للإنسان قدرة على التأثير في العقل الباطن؟
إن الحديث مع النفس من أفضل الطرق التي يستطيع الإنسان التأثير بها على عقله الباطن وبالتالي التأثير على التفكير والشعور والسلوك. ونحن بطبيعة الحال نؤثر به بشكل يومي، ففي المواقف الحرجة نقول له: "كم أنا أخرق؟" وعند رؤية شخص يستفزنا نقول في سِرنا: "أنظر كم هو كريه هذا الشخص، يحاول إيذائي بشتى الطرق"، وعندما ترى الزوجة امرأة جميلة تجلس أمام زوجها تقول لنفسها: "ما أجملها وما أبشعني!" كلها أمثلة لحوارات نشحن بها عقلنا الباطن دون وعي. فقد تجلس أنت مع نفسك وتفكر في شخص لا تحبه، فترسل لعقلك الباطن رسالة عن شخص بغيض تكرهه، وما هي إلا لحظات حتى ترى معالم الغضب تعتري وجهك، وقد تبدأ (بالتنفيخ) مع أنك فعلياً لم ترَ هذا الشخص. أنت فكرت فيه وبدأت تحدث نفسك عنه، أي أنك أرسلت لعقلك الباطن رسالة مليئة بالمشاعر السلبية، وقام عقلك بترجمتها إلى تعابير وجهك. وقد تتحول هذه التعابير إلى أفعال، إن شاءت الصدفة ووقف هذا الشخص أمامك في تلك اللحظة، فقد يتلقى منك كلمة قاسية أو لكمة في وجهه، دون أن يتفوه هو بأي كلمة. والنقطة المهمة هنا: أننا يجب أن نُحول الحوار الداخلي مع النفس ليصبح أكثر إيجابية؟
حديث النفس قد يكون إيجابياً داعماً لنا في حل مشاكلنا وقد يكون سلبياً مدمراً للنفس ولإنجازاتها.
يجب أن نستخدم من المحفزات التي تثيرنا سبباً لشحن الذات بطريقة إيجابية. فإذا أعجبك تفوق شخص معين في عمله، وأردت أن تصل إلى مستواه، قل لنفسك (أنا أستطيع أن أصبح مثله، إنني قادر على عمل هذا وذاك... الخ) فإنك لا شعورياً ستجد نفسك متحمساً للعمل، وستجد فيك القدرة والطاقة التي قد تفاجئك. هذا وقد أثبتت الدراسات السلوكية أن العقل الباطن يتأثر بالرسائل الإيجابية التي تحاكي الوقت الحاضر وليس المستقبل، (مثلاً، قل لنفسك: أنا هادئ الأعصاب، أنا مستريح..) ولا تقول: (أنا سأكون بخير غداً، أنا سأستريح في الأسبوع المقبل) فالعقل الباطن لا يتفاعل معها لأنه تقنياً مسؤول عن الأفعال في الوقت الحاضر. (3)
نحن نتقبل الحديث الخاص الذي يدور في أعماقنا مع أنفسنا، ونعتبره من الأسرار العميقة التي نختزنها ونصدقها بكل تلقائية، ونقوم باستعادتها في أوقات العزلة والوحدة، وفي أوقات الضعف النفسي. وهذا ما يجعل للحديث مع النفس أهمية بالغة، حيث وكما ذكرنا سابقاً أنها تعمل على تحفيز الشخص أو تعمل على تدميره من الداخل، فكثيراً ما يولِّد الحديث مع النفس أحاسيس سلبية عندما نفقد السيطرة على أنفسنا، وتصبح عواطفنا هي المسيطرة، ومن الممكن أن يصاب الإنسان من خلال حديثه مع ذاته بالاكتئاب، فعلى مدى أهميته فإنه يقود الشخص إلى متاهات. ويجدر بنا أن نتمتع بمهارة توظيف هذه القوة الهائلة التي تنتج من حديثنا مع أنفسنا، وأن نحاول التغيير دوماً نحو الإيجابية وأن نتعلم أن نُعبر عن أنفسنا بتلقائية وبطريقة صحية، ونكون صادقين مع أنفسنا.
وإليك بعض النقاط التي تساعدك على تغيير اتجاه أفكارك في حديثك مع ذاتك من السلبية إلى الإيجابية (4)
1ـــ كن واثقاً من القيم الإيجابية التي تؤمن بها، وعبِّر عنها في حديثك مع نفسك، ومع الوقت سوف يقتنع عقلك الباطن بتلك الفكرة الإيجابية.
2ـــ انتبه لما تسمعه أو تراه من سلبية حولك، وحاول ألا تتأثر بها أو تُكلّم نفسك بنفس السلبية، حتى تضع حداً للأفكار المتشائمة.
3ــــ كن صادقاً وجريئاً مع نفسك، ولا تحكم على ذاتك بالضعف أبداً.
4ــ لا تكبت الذكريات الماضية، حاول أن تخرجها من جسمك، حتى تتعامل معها وتنهي تأثيرها عليك، فالنكران والتكذيب على النفس يسبب الأمراض الجسدية والنفسية.
5ـــ من الأفضل أن تعترف بخطأ ارتكبته وتفكر في معالجته، على أن تعيش الخطأ طوال عمرك وتندم على الفرص التي تفوتك يومياً، فالعالم يتغير من حولك.
6ــ اسمع لصوتك الذاتي وثق به، وإن شعرت ببعض السلبية، اشحن نفسك بكلام مشجع ومطمئن "أنا أستطيع التغلب على المشكلة".
7ــــ عوّد نفسك على الاسترخاء، وصفاء الذهن، حتى يكون حديث النفس أقوى وأكثر إيجابية، فالإرهاق والعصبية تزيد من القلق والتوتر والسلبية.
8ــــ اِحرص على أن لا تخلط بين الحديث مع النفس والأحلام.
ومن هنا يجب أن نشير إلى موضوع مهم وهو ما ذكره (ِ هاورلد شيرمان) وغيره من الباحثين المتعمقين في التفكير الإيجابي والإبداع، ويتلخص الأمر في أن مراقبة الأفكار والسيطرة على الخواطر هي مهمة شاقة وليست أبداً بالسهلة، ذلك أن كمية الأفكار والخواطر التي ترد علينا لا شعورياً كبيرة نسبياً. ونحن نملك القدرة على مراقبتها وحذف السيء وقبول الجيد منها. لذا يجب أن نتذكر دائماً أن مراقبة الأفكار مهمة ضرورية وليست اختيارية، فوصولك إلى انسجام داخلي وتماسك نفسي لا يأتي نتيجة صدفة محضة. والخلاصة أن الحديث مع الذات هو المحرك النشط، الذي يجعلنا نتعامل مع العالم الخارجي بإيجابية، ويُمكننا من حل مشاكلنا بأنفسنا (5)
المراجع
1ــ حديث الروح ــ أحمد حميدان
2ـــ حديث النفس ـ أهمية الحوار الداخلي ــ منتدى المتداول العربي
3ـــ من أدرى بنا من أنفسنا ؟ ــ منتديات حبايب
4ـــ الحوار مع الذات ــ ملتقى طلبة جامعة أبها في السعودية
5ـــ خطوات في طريق النجاح ــ فيس بوك