الجريمة مهما تعددت عناوينها ومهما وضعت لها من تعريف تبقى موجودة في كل مجتمع، بمعنى لا توجد مجتمعات إنسانية منزهة من عدم وجودها، لذا جاءت الأنظمة والقوانين، وهي من المخترعات الإنسانية التي نبعت من حاجة، بمعنى أن تنظيم المجتمع وسن القوانين ووضع حدود للتصرفات بدأت مع الإنسان منذ الأزل وتطورت مع تطوره، لذا كلما شاهدنا مجتمعاً تزدهر فيه الأنظمة واللوائح المنظمة لكل صغيرة وكبيرة تجده مجتمعاً تقل فيه الجريمة ومعدلاتها في انخفاض.
ورغم هذه القاعدة المتعارف عليها بعدم خلو مجتمع من الجريمة، فإنه لا يمكن القول إن الطبيعة الإنسانية تنزع نحو الإجرام والقسوة، ولكن يمكن القول إن هناك البعض وهم قلة قد ينحرفون عن قيم السلوك الصحيح، فينجرفون نحو تحقيق طموحاتهم بواسطة طرق غير صحيحة يطلق عليها جريمة، لأنها تحمل في طياتها الاعتداء على حقوق الآخرين سواء المادية أو الجسدية أو حتى مصالحهم الآنية أو البعيدة.
وإن كان هناك من يراهن على يقظة الضمير وقوته، فإن البشرية ومنذ الأزل تعلمت أن الضمير وحدة لا يكفي لمكافحة الخطأ أو صد الرغبات المنحرفة أو ردع ضعاف النفوس وقد قيل قديماً: «الضمير لا يمنع المرء من ارتكاب الخطأ، إنه فقط يمنعه من الاستمتاع به وهو يرتكبه».
من وجهة نظري وفي عالم اليوم فإن هناك من يرتكبون جرائم مدوية وأخطاء جسيمة مع سبق الإصرار والترصد، ونشاهدهم مع الأسف يستمتعون بما يفعلونه. لذا أحسب أن المجتمعات بحاجة وبشكل مستمر ودوري لعمل مراجعة قوية وشامل لمنظومة قوانينها المنظمة لحياة الناس وتعاملاتهم، فبهذه المراجعة الدورية نكون في تغير دائم متوافق مع تغير الأفكار وتطور العلوم والأساليب والحيل، وأيضاً تطور الإجرام، وبالتالي نكون على مقدرة من مكافحة الجريمة وصدها بشكل قوي.
ما أريد الوصول له أن لا مجتمع على هذه الأرض يتمتع بالملائكية، والجميع بحاجة لنظم وقوانين تبدأ من داخل الأسرة وحتى جميع مفاصل المجتمع، نغذيها لأطفالنا منذ نعومة أظفارهم، وتشمل الحياة على مختلف مظاهرها وألوانها، وتكون متعالية والجميع يستظلون بها.