حين قامت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، كانت نزيهة في بغداد، تنام فوق سطح بيتهم في شارع المغرب مثل كل العراقيين في أشهر الصيف. ومن هناك سمعت صوت الراديو يلعلع بالبيانات في بيوت الجيران وشاهدت المظاهرات تنطلق من الأعظمية وتتجه نحو الباب المعظم وبعضها يحمل صورة جمال عبد الناصر. ووسط الجموع شاهدت سكرتير الحزب الشيوعي، سلام عادل، وكانت تراه لأول مرة غير متنّكر، وقال لها إنه قادم من دائرة بريد الأعظمية بعد أن أرسل برقية تأييد للثورة باسم اللجنة المركزية للحزب. وكان يشرح لها أن تلك البرقية كانت علامة لخروج الحزب من العمل السري الى العلني، كما أنها كانت اشارة عن موقف الحزب موجهة الى الجهات الخارجية. صارت رابطة المرأة العراقية جمعية علنية تضم 40 ألف فتاة وسيدة. وعقد أول مؤتمر لها في ربيع العام التالي للثورة، وانتُخبت نزيهة الدليمي رئيسة لها. ولم يشهد أبوها ولا جدّتها تلك المناسبة لأنهما كانا قد فارقا الحياة، لكن والدتها ذهبت الى المؤتمر وجلست بعباءتها سعيدة بين الصفوف. في عمر الخامسة والثلاثين تسلمت نزيهة الدليمي مديرية البلديات العامة لتجعل منها وزارة تتبعها كافة المؤسسات المتخصصة في الخدمات البلدية. ولم تكن المهمة سهلة، فقد كانت الوزيرة تجوب العراق وتعقد الاجتماعات مع كل رؤساء البلديات. كما جاءت بهيئة قانونية لوضع مسودة قانون ينظم انتخاب أعضاء المجالس البلدية باعتبارها مستقلة عن الحكومة. لكن عبد الكريم قاسم لم يسمح بذلك المشروع، في حين وافق على مشروع آخر تقدمت به رابطة المرأة لقانون جديد للأحوال الشخصية، الهدف منه إصدار تشريع مدني موحد لكل الأديان والطوائف، ينظم قضايا الزواج والطلاق والنفقة والإرث وحضانة الأبناء وغيرها. أقامت الرابطة لجاناً في الأحياء السكنية، في بغداد وباقي المدن، لدراسة مشكلات المرأة وأخذها بنظر الاعتبار في القانون المقترح. وأشرفت على المشروع الناشطة روز خدوري (توفيت في بغداد قبل سنتين) وعملت معها تربويات وقانونيات وطبيبات وسيدات من كبيرات السن والخبرة، يعرفن التقاليد الاجتماعية وما يجوز ولا يجوز. ونقلت تلك الملاحظات الى اللجنة المكلفة بصياغة القانون والمؤلفة من مشرعين ورجال دين وممثلين عن الوزارات المعنية. هكذا صدر القانون رقم 188 لسنة 1959 ورحبت به الأوساط المتنورة بينما هاجمه آخرون بضراوة لأنه ساوى في الميراث بين الذكر والانثى. وكانت نزيهة الدليمي هي كبش الفداء. وهي تقول إن الذين حاربوها كانوا من «الخصوم السياسيين ومن الرجعيين». الأوائل لأنها شيوعية والتوالي لأنها امرأة. أما الزعيم فقد أخذ منها البلديات وجعلها وزيرة بلا حقيبة حتى خريف 1960 0 كان رذاذ الحملة عليها قد بلغ أُسرتها وأصاب والدتها وأُخوتها، فارتأى الحزب أن تغادر العراق، وذهبت بالفعل الى موسكو وظلت هناك لحين قيام انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم في 1963، فانتقلت الى براغ وساهمت في تشكيل حركة الدفاع عن الشعب العراقي، مع الشاعر الجواهري، والدكتور فيصل السامر، وشاكر خصباك، وأرسلت الحركة برقية الى الرئيس عبد الناصر تطالبه باستخدام نفوذه لوقف ما يجري في العراق من تصفيات، وردّ الرئيس المصري ووعد خيراً. وفي تلك الفترة كتب الجواهري قصيدته الخالدة «يا دجلة الخير». كما دفعت الحركة الرفيق خروتشيف لكي يرسل برقية الى بغداد للتوسط في تخفيف الحكم على ثلاث شيوعيات حكمن بالاعدام، هن سافرة جميل حافظ، وزكية شاكر، وليلى الرومي. وتم إنقاذ حياتهن.
امراة عراقية سمراء خجول، وطبيبة عراقية ماهرة لم تصدق حين استدعاها الزعيم الراحل الى وزارة الدفاع ليبلغها بقرار اختيارها وزيرة للبلديات عام1959 ، حين اتصل بها، في ذلك الصيف البغدادي القائظ، مرافق الزعيم طالباً اليها الحضور الى وزارة الدفاع، لم تكن الطبيبة المتخرجة من كلية الطب عام 1941 تلك الشيوعية لا تملك ثمن التاكسي. لقد فتحت عيادتها للفقراء مجاناً وكانت تشتغل بالسياسة أكثر من عملها في الطب. لذلك ركبت الباص رقم 4 الذاهب الى الباب المعظم، حيث تقع وزارة الدفاع، ثم نزلت وسارت مسافة طويلة تحت الشمس الحارقة، من البوابة الخارجية حتى بلغت مكتب قاسم، وهي تتساءل عن السبب الذي دفعه لاستدعائها. لم يكن المنصب يخطر ببالها. فلما قال لها الزعيم إنه بصدد استحداث وزارة جديدة للبلديات ويريد منها أن تقترح هيكلاً لها وتكون وزيرتها، نظرت اليه بدهشة وقالت له: «أنا مواطنة بسيطة وطبيبة لا تفهم شيئاً في الوزارات». لكنه ضحك وشجعها قائلاً إنه يثق بها وبقدرات النساء على المشاركة في بناء البلد. صارت نزيهة الدليمي وزيرة. وكانت أول وزيرة، لا في العراق فحسب بل في كل البلاد العربية. ولما أُعلن خبر تعيينها نزل رفاقها الشيوعيون الى الشارع وأطلقوا الهتاف الذي ارتبط باسمها في أذهان أجيال سابقة من العراقيين: «نزيهة صارت بالحكم موتوا يا بعثية(ويعود لها الفضل الاكبر في صدور قانون الاحوال الشخصية العراقي 1959 ، كما وزعت قطع الاراضي في منطقة الشعلة عندما كانت تشغل منصب وزيرة البلديات اضافة الى دورها المهم في انشاء ضاحية(الثورة) شرق بغداد والتي تسمى اليوم(مدينة الصدر) اضافة لاهتماماتهابحقوق المرأة كناشطة نسوية قبل ان تكون وزيرة، رغم انها لم تحظى بزوج ولا ولد ولا بنت ولا حفيد في حياتعا، نزيهة جودت الدليمي من مواليد 1923،ناشطة عراقية في حقوق المرأة،وهي إحدى رائدات الحركة النسويةالعراقية وأول وزيرة عراقية كما أنها أول امرأة تستلم منصب الوزارة في العالم العربي[1]. كما أنها ساهمت في جهود إصدار قانون الأحوال الشخصية في العراق العام 1959 والذي اعتبر القانون الأكثر تقدما في الشرق الأوسط من حيث الحقوق التي منحها للمراة العراقية،ونتساءل هتا وهل يعقل ان تنتهك حقوق المرأة بالطريقة التي يريدها 'حسن الشمري'.وزير العدل.وان تصبح المرأة مجرد وسيلة لاطفاء الرغبات الجنسية للمدعين والدجالين والمتخفين وراء الشعارات الدينية والطائفية..؟ هل يدرك 'الشمري' ان المرأة التي يريدها متاع رخيص تحل العقد النفسية والاجتماعية انما هي امه وشقيقته وطفلته؟ وهل يقبل الشمري ان يزوج طفلته ذات التسع سنوات لرجل يفوق الخمسين ليطفىء بها شهواته المريضة؟ الصحوا ياعراقيات !!! في أواسط ستينات القرن الماضي، بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين، بدأ الحزب الشيوعي بإعادة كوادره الموجودة خارج العراق، وكان اسم نزيهة في آخر القائمة، فعادت بشكل سرّي في بداية 1968 وفوجئت بعزاء مقام في بيت الأُسرة. لقد توفي أخوها بسكتة قلبية تاركاً ثلاثة أبناء، وكانت قد حضرت عقد قرانه قبل تركها العراق. ورغم أن الحزب كان قد أعاد النشاط لرابطة المرأة العراقية وتمت استعادة كوادرها، لكن انشقاقاً فيه دفعه الى وقف نشاطها تلافياً للمشكلات في صفوفها. بقيت الدليمي في الوطن عشر سنوات. وهي لم تتزوج لأن الجيدين من رفاقها كانوا في السجون، حسب قولها، ولأن النضال التهم أجمل سنوات عمرها. وفي عام 1977 غادرت العراق ولم تعد إليه. وهي قد درست، في منفاها، تاريخ بلدها في مراحله المختلفة، وتاريخ الحركة الوطنية فيه، على أمل أن تؤلف كتاباً يحمل نظرة نقدية لتلك الحركة. كما ظلت تتلقى، في بوتسدام، مطبوعات الحزب الشيوعي، وكانت تقرأ كثيراً وتشاهد التلفزيون وشاركت في ملتقيات قليلة قبل أن تصاب بالعارض الصحي الذي أقعدها. وعلى المنضدة الصغيرة، بجوار سريرها، شاهدت مصحفاً وكتاباً عن حياة لينين. ولما لمحت استغرابي من اجتماعهما قالت «لا تعارض بينهما طالما أن لينين كان يريد خير البشرية». وقالت أيضاً إنها نادمة لأنها لم تمارس الطب بشكل كاف، تلك المهنة التي أحبتها، لكنها أحبت الوطن أكثر منها. «كيف أشتغل في الطب ووطني يخضع للحماية البريطانية؟» ة
عاشت نزيهة الدليمي 85 عاماً وماتت، والعراق تحت الاحتلال الأميركي، والقوات البريطانية عادت الى البصرة بعد نصف قرن من الجمهورية. ماتت وفي العراق اليوم، من الأجيال الجديدة، من لم يسمع باسم نزيهة الدليمي بل سمع بقانون الاحوال الجعفري!!!.