هي شابة جميلة، تملك أحلاماً عريضة، وأمنيات كبرى. ورغبة قوية في تغيير الواقع بالقلم والصورة. دخلت بلاط صاحبة الجلاله وهي تحلم أن تحمل في يوم ما لقب "الكاتبة الصحفية" فلم تهبها صاحبة الجلالة سوى لقب "المرحومة"!.
ميادة أشرف.. صحفية الدستور التي لم تكن تملك في حساب الزمن سوى 23 عام، وتجربة صحفية لازالت في بدايتها. حملت الكاميرا الخاصة بها وذهبت ترصد وتسجل الاشتباكات التي دارت مساء الجمعة في حي عين شمس بين أعضاء الجماعة الإرهابية المحظورة وبين رجال الشرطة؛ فسقطت شهيدة دون أن تعرف برصاصة من سقطت ولا بأي ذنب قتلت.
ماتت ميادة التي لم أصادفها يوما، لكنها ذبحتنا برحيلها المفاجيء، وأعادت لنا وجع تناسيناه عمداً. ماتت ولم نستطع أن نمنحها شيئا سوى رقم 10 في قائمة شهداء الصحافة المصرية.
ماتت ميادة، لتشعل بموتها ناراً اعتدنا عليها منذ استشهاد الحسيني أبو ضيف في أحداث الإتحادية. الذي تلاه أخرون آخرون. حلقات في سلسلة دم لم تتوقف بموت ميادة ولن تتوقف بموت غيرها، ما دمنا لم نحصل حتى يومنا هذا على إجابات شافية لأسئلة نطرحها منذ عام 2011 وحتى الآن.
بأيدي من قتلوا؟ وبأي ذنب قتلوا؟
ولماذا لم يحاكم الجاني مادام هناك أدلة توضح إدانته؟
إلى متى سوف تتعامل المؤسسات الصحفية مع شباب الصحفيين بهذه الطريقة المخجلة؟، تدفع بهم إلى قلب النار دونما حماية او حتى تدريب على خوض الاشتباكات، "فان عادوا بخبر خير وبركة، وان ماتوا في داهية فيه غيرهم كتير".
صحفيون يسقطون غدرا، لا لشيء سوى لأنهم ينقلون الحقيقة ويرصدون الحدث. أمر مشروع في كل دول العالم. دول العالم التي تتعامل مع الصحفي على انه كنز يجب الحفاظ عليه وحمايته، لكن في مصر لا شيء ارخص من ابنائها، الذين يمتون غدراً دون أن يعاقب المجرم على فعلته. فلقد رحل 10 صحفيين منذ عام 2011 وحتى لحظة كتابة هذه السطور.. دون أن تحرك نقابة الصحفيين في مصر ساكناً، أو تأتي بحق أحدهم.. فكان من الطبيعي أن تصنف المنظمات الدولية مصر من بين أخطر مناطق العالم تهديدا لحياة الصحفيين. حيث احتلت المركز الثالث، بعد سوريا والعراق، في عدد القتلى، والمركز 159 من 180 دولة في مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة كما تؤكد المصادر المختلفة.
احصائيات لا تزيدنا إلا خيبة، ولا تمنحنا إلا العار، فهل تحرك ساكنا في عقول المسئولين عن شارع الصحافة في مصر. هل تشغل دمهم البارد لكي يأتون لنا بثأر زملائنا؟. ام سيكتفون بمناصبهم وتربيطاتهم وعلاقاتهم التي لا تمنحهم شرفاً، وإنما تزيدهم وضاعة.