الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

عاش وحيدا ومات في حضرة الرسول الاعظم

  • 1/2
  • 2/2

لم يكن يدور في ذهن ( احمد) وهو مسافر من وطنه الاردن الى السعوديه لاداء مناسك العمره ان رحلته ستكون بلا عوده . كانت المرة الاولى والاخيرة التي يسافر فيها خارج وطنه
حلّ عليه الظلام داخل الحافلة التي كانت تنهب الارض نهبا بغية الوصول لهدفها في اسرع وقت ، وعند اكثر القفار الممتدة بين البلدين ظلمة ، اضيئت مصابيح الحافله وخلد غالبية الركاب الى النوم ، وبقي هو مستيقظا يتأمل انعكاس صورته على زجاج النافذه ، بحركة رتيبه من اصابعه بدأت حبات المسبحة تكرج بانتظام الواحدة تلو الاخرى ، خيل اليه ان زجاج النافذة ما هي الا شاشة سحريه تعرض مشاهد من حياته البائسة التي عاشها ،( ابن طلاق) منذ اول دفقة هواء دخلت صدره . ارسلته امه بعد ولادته مباشرة الى والده ، والاخير تزوج وكون اسرة جديده، وكان عبء تربية احمد من نصيب جدته لابيه ، ولم تكن مهمتها سهلة ، فالمراه طاعنة في السن استنزفت قواها في تربية اولادها والاعتناء بأسرتها . لم يعرف يوما معنى العودة من المدرسة لتقابله امه بابتسامة وقبلة مشتاقة ثم يدلف الى المطبخ ويرفع اغطية القدور بحماس ليرى ماذا اعدت لطعام الغداء ، ولا عرف يوما معنى ان يذاكر دروسه باشراف ابيه ، ولا ان يجتمعوا كأسرة واحده للسهر ومشاهدة برامج التلفزيون . انطفأ الهوس بالحياة في داخله ، وعاش عمره محاولا لململة انكساراته ، وحتى بعد ان تزوج وانجب الابناء والبنات لم يحسن ادارة شؤون اسرته وبقي يتخبط باختياراته ، وبرغم وجود زوجة محبة الى جواره وابناء الا ان الشعور بالوحدة لم يفارقه ، هناك حاجات لكل مرحلة من مراحل العمر اذا لم تلبى في وقتها فلا معنى لقدومها متأخرة عن موعدها سنين طويله .
حدق في زجاج النافذه (او شاشة ذكرياته) بعمق وتأمل ، ها هي والدته تلفظ انفاسها الاخيرة في المستشفى وهو حائر لا يدري كيف يخفف عنها . وها هو ابوه يرقد رقدة الموت وسط بكاء الاهل والاقارب . فجأة استيقظ من نومه وقد غمرت شمس الصباح وجهه .
في مكه وعند اول نظرة الى الكعبه احس برعشة تسري بجسده واقبل على اداء المناسك والصلوات بذهن خال من مشاغل الدنيا ، وحدها ابنته المريضة بداء السكري لم تفارقه صورتها ابدا ، وبقي يدعو لها بالشفاء متعلقا باستار الكعبة المشرفه .
وعند دخوله المدينة المنورة شيء ما هتف بداخله بانها ستكون المستقر والمقام الاخير ، طلب من صديقه مرافقته الى زيارة اهل البقيع ، وللوهلة الاولى لم يصدق عينيه ، خلق كثير رجالا ونساءا يقفون خلف الحاجز الحديدي ينظرون اليه ، سأل صديقه : هل ترى ما اراه ؟ وماذا ترى ؟ كل هؤلاء الناس امامنا يقفون بثياب غريبه ويلوحون لنا ؟
- ماذا ، لا يوجد احد هنا سوى بعض المارة خلفنا .
حلت صلاة العشاء وتوجه برفقة صديقه الى المسجد النبوي وما ان انتظمت الصفوف وبدأت الصلاة حتى هوى احمد اثناء الركوع . هوت القشرة التي غلفت روحه المعذبة طيلة 47 عاما اما الروح فطافت فوق رؤوس المصلين تحاول فهم ما جرى لها . وتخطت حاجز الزمن لتطير الى الديار وتشاهد بكاء الزوجة والابناء والاقارب واسف كل من عرفه او سمع به في محيطه هل كان يجب ان ارحل حتى تحسوا بوجودي ؟
بلمح البصر عادت الروح الى المدينة المنوره تراقب محاولات البعض في المسجد اعادة الحياة الى جسده ولكن هيهات ، حان وقت سفر الروح الى بارئها , خيل اليه انه رأى الرسول الاعظم من بين الجموع يلوح له بابتسامة ويقول ( اراك على الحوض ان شاء الله ) .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى