بالأمس القريب ، عندما كنا نسمع أصوات المنظمات النسائية فى ليبيا تطالب بحقوق المرأة، كانت أقصى مطالبها هى زيادة الكوتة البرلمانية للمرأة فى الانتخابات المقبلة. أما اليوم وبعد ثلاث سنوات من ثورة شعبية حقيقية خرجت لتطيح بنظام ديكتاتورى، أصبح أكبر أحلام المرأة فى ليبيا أن تمشى فى شوارع بلادها آمنة من بطش المليشيات الاسلامية التى تتمترس على الطرقات ملوحة بتطبيق الحد على أى سيدة تنزل إلى الشارع وتختلط بالرجال فى العمل أو لا ترتدى الحجاب الشرعى الذى يحددونه هم.
ومع تدهور الأوضاع فى ليبيا لجأت العديد من الناشطات الليبيات اللاتى أيدن ثورة السابع عشر من فبراير لطلب اللجوء السياسى لدول أجنبية . وكانت من بينهن الناشطة مجدولين عبيدة التى قالت فى تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية بى بى سى امر سيئ للغاية ان تخاطر بنفسك وان تبذل قصارى جهدك من اجل هذه الثورة، ثم فى النهاية تضطر الى مغادرة البلاد لأنها لم تعد مكانا آمنا لك. وبالنظر إلى قصة الناشطة عبيدة وما فعلته تعلم تمام العلم أنه رغم ما فعلته المرأة الليبية من أجل وطنها إلا أنها كانت أول ضحايا أعمال العنف فى البلاد حاليا. فعندما بدأت الثورة ذهبت عبيدة إلى القاهرة ومنها إلى باريس لجمع المساعدات والأغذية والأدوية لثوار ليبيا وشن حملة ضد نظام القذافى الذى لم يكن يتوانى عن قصف المدنيين فى بلاده من أجل تثبيط الثورة. وبعد سقوط طرابلس فى ايدى المعارضة عادت عبيدة الى ليبيا للعمل من اجل حقوق المرأة، لاسيما للمطالبة بوضع حق المساواة فى الدستور الجديد. ومثلها كمثل النشطاء الاخرين ساورها القلق ازاء ما شهدته من تنامى نفوذ الاصوليين الاسلاميين. وأيقنت أن مساعيها لمناصرة حقوق المرأة بعد الثورة ستمنى بالفشل بعدما طالب مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالى الليبى آنذاك بالسماح بتعدد الزوجات. وقالت "كانت صدمة لنا جميعا. ليس هذا ما سعينا اليه فى الثورة، لم نسع لزواج الرجل من اربع نساء. وبالفعل أنشأت عبيدة جمعية حقوقية معنية بالمرأة اسمها جمعية «حقي»، وكانت تقوم من خلالها بعمل حملات توعية للمرأة بحقوقها وتوعية المجتمع الليبى كله بأهمية احترام المرأة وتقدير دورها فى المجتمع. إلا أنها فوجئت باتهامات رسمية موجهة إليها بــ «المنادة بحرية المرأة» و نشر الفساد و الانحلال الأخلاقى وسب مفتى الديار الليبية. ومن مفارقات القدر أن الفتاة ذاتها التى قامت بكل ذلك من أجل وطنها ، عندما عادت إلى بنغازى فى صيف ٢٠١٢، اختطفت مرتين على أيدى المليشيات الاسلامية المسلحة.. وتصف مجدولين لحظات اعتقالها قائلة إنهم كانو يركلونها بأقدامهم بعدما اقتادوها إلى مكان غير معلوم و أمطروها بوابل من السباب والاتهامات بالعمالة والخيانة، وأنها تلعب دورا مشبوها تحيك من خلاله المؤامرات ضد الثوار.. كما كانوا ينعتونها بأقظع الألفاظ وقالوا لها «سنقتلك أيتها الجاسوسة الاسرائيلية» ويبقى أنه رغم كل ما تشهده ليبيا حاليا من ترد على مختلف المستويات، إلا أن الحل سيأتى أيضا على أيدى المرأة التى كانت أكثر من ظٌلم فى هذه الفترة . حيث تشير الاحصائيات إلى أن أكثر من نصف الخريجين الليبيين هن اناث ولا ينقصهن سوى فرصة عمل يثبتن بها فعاليتهن فى المجتمع.