تسعة ملايين صوت نسوي مطلوب في الانتخابات الرئاسية، وستة مترشحين يغازلون هذه الملايين من النساء، المتواجدة بين الريف والبادية والصحراء وفي المدينة وفي كل مكان عبر أرض الجزائر الممتدة، كل هذه الفئات معنية بالانتخابات، لاسيما عندما يكون النظام السياسي رئاسيا ويكون التمكين للمرأة والارتقاء بوضعها بيد الإرادة السياسية وفقا لصلاحيات قيادة الجهاز التنفيذي.
ولكن الملاحظ على مستوى غالبية هيئات الحملات الانتخابية، الغياب الواضح للمرأة في هياكلها الأساسية، الأمر الذي يؤكد بأن الطريق لا يزال طويلا أمام المرأة كي تكون شريكا حقيقيا، يعكس حجم الدور الفعال الذي من المفترض أن تلعبه، على مستوى كسب الأصوات والتأثير في السلوك الانتخابي لتسعة ملايين صوت نسوي، فضلا عن مجموع الأصوات. ومن ثم ومع شيء من التأمل في واقع النشاط اليومي لمختلف الأحزاب والمترشحين، يلاحظ بأن هناك خلل واضح بين استراتيجية وتوجّه الإرادة السياسية مجسدة في الرئيس، الذي كان وراء تعديل قانون الأسرة 2005، وقانون الجنسية والقانون العضوي الخاص بتفعيل المشاركة السياسية للمرأة في المجالس المنتخبة، وإنشاء صندوق المطلقات الحاضنات لأطفال قصر...الخ... وبين واقع إدارة الحملات الانتخابية الذي يكاد يكون ذكوريا بامتياز، ومن خلفها الأحزاب السياسية التي عادت إلى سلوكها ومواقفها قبل نظام ”الكوتا” أو المحاصصة، علما أن الديمقراطية تكمن في الفرص المتكافئة المتاحة للرجل والنساء بشكل متساو، في حين لا تزال الأحزاب السياسية تتعامل مع المرأة كرهان لا أكثر، الأمر الذي يحول دون تحقيق تحولات اجتماعية كبيرة طالما يجري تغييب المرأة، وانتزاع أي دور فعال يمكن أن تقوم به ويحرمها حقها في اكتساب التجربة وتحقيق تراكم من الخبرة في مثل هذه الاستحقاقات، بدلا من أن تأتي الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الدولية لتقديم دورات مجانية لنسائنا، ليست دائما مأمونة الجانب من حيث الاختراق والأبعاد السياسية، بالإضافة لمخاطر التمويل الأجنبي لكثير من أنشطة منظمات المجتمع المدني في هذا المجال، بينما الدورات الفعلية والحقيقية هي مثل هذه الاستحقاقات التي تصنع المرأة القيادية، فالفضاء العام هو المجال الذي يتشكل فيه الرأي العام، وهو أيضا مساحة التفاعل الذي يمكن للمرأة أن تؤثر من خلالها في الجمهور وفي المجتمع بشكل ينعكس إيجابيا على تغيير الذهنيات.
وفي ظل هذه المعطيات لابد من التساؤل عن السبب الذي يقف وراء انعدام التوازن بين تواجد المرأة بنسب عالية في المجالس المنتخبة، وغيابها عن النشاطات الحزبية والحملات الانتخابية بشكل يخاطب الجمهور مباشرة، بلغة سياسية ناضجة وواعية وفعالة، وليس كمقعد في القاعة أو كمرافق في وفود المنشطين الفاعلين أو للجلوس على المنصات فقط؟ ولماذا يستثمر في المرأة داخل الأحزاب لملء القاعات كمستهلكة، ولا تكون هي الفاعلة والمنتجة للخطاب والمؤثرة في الجموع والصانعة للموقف على مستوى الحدث السياسي والانتخابي؟ ولماذا ما تمكن له الإرادة السياسية باليمين تسحبه الذكورية بالشمال ”اليسار” في أي موقع كانت؟
إن التواجد الكبير للمرأة الجزائرية في المجالس المنتخبة بعد جدل صعب وتجاذبات، لم تكن سهلة على مستوى الأحزاب، كان من المفترض أن يمكنّهن من الوصول إلى أعداد كبيرة من الناخبين والناخبات باعتبارهن منتخبات، ويمكّنهن من إقامة علاقات أقوى مع جمهور الناخبين بشكل يتيح للأحزاب تقديم صورة أفضل عن نفسها، من حيث التجدد بإشراك الشباب والمرأة في مختلف النشاطات، ألم يحن الوقت لكي تخرج المرأة عن إطار مرافقة الرجل، واستقبال الرجل، وملء القاعة للرجل، والجلوس في الواجهة على المنصة لدعم الرجل المنشّط للحملة؟ أليس من الأولى أن تعبّر المرأة من موقعها وبنفسها وأسلوبها وخطابها عمن تؤيده لقيادة الدولة التي تمثّل فيها جزءا من تسعة ملايين صوت انتخابي، من شأنه أن يسهم في اختيار الرئيس؟ أم أن المرأة لا تزال تعامل كتابعة مستهلكة، مصغية مهذبة، وليس كفاعلة ومؤثرة؟ إن الواقع يؤكد بأنه لا يزال أمام المرأة الكثير من العمل والاجتهاد لتغيير هذا الواقع، وعلى رأس ذلك، الاجتهاد من حيث الأولوية، استئصال هذه الذكورية المتسلطة، من خلال توجيه السلوك الانتخابي النسوي ليكون براغماتيا لأبعد الحدود، لأن مشكلة الذهنيات لا تزال راسخة بشكل يجعل التغيير الأساسي مرهون بالإرادة السياسية واستراتيجية الإجراءات، ومن ثمّ على المرأة أن تمنح صوتها لمن يملك الإرادة التي تحقّق لها مزيدا من التمكين.