تنتشر اليوم الرسائل التي تدعو إلى “حب الذات” وإلى “تقبل النفس” في كل مكان، من اللافتات في الشوارع إلى كلمات أغاني البوب والكليبات، وإلى صور الجميلات في المجلات والصحف ووسائل الإعلام المرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من ذلك تبقى نسبة تقبل الذات بين المراهقات منخفضة، وأصبح جراحو التجميل يشعرون بقلق متزايد إزاء سعي بعض الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن الثالثة عشرة سنة للحصول على البوتوكس.
ويرى الأطباء أن ذلك يعود إلى مشكلات الصحة العقلية، ويحمّلون ثقافة المشاهير المنتشرة بشكل واسع ولافت مسؤولية تضخيم حدة هذه الأعراض. ويقول الدكتور نيك لوي، استشاري الأمراض الجلدية في عيادة كرانلي في لندن، لصحيفة الصنداي تايمز البريطانية، إن الفتيات يخضعن لعلاجات لا تناسب أعمارهن، لمواجهة أعراض لا يمتلكنها.
وأرجع لوي ذلك إلى فقدانهن الثقة في النفس. وأضاف أنهن مقتنعات بأن تقليدهن للمشاهير سيجعلهن أكثر سعادة وأكثر نجاحا.
وتسيطر هذه المشكلة على المراهقات، لاقتناعهن بفكرة أن البوتوكس “ضروري” في أي وقت من حياة المرأة. وتحاول الفتيات الصغيرات استباق حقيقة قاتمة، بسبب فكرة شائعة تفيد بأن قيمتهن تتضاءل مع تقدمهن في السن.
وأصبح خوف المراهقات من التقدم في السن يتجاوز رعب الإبر التي تحقن مواد لا يعرفن طبيعتها في وجوههن الطفولية.
ولا توجد قيود قانونية تمنع صغار السن من حقن البوتوكس، ومازالت الصناعة غير خاضعة للتنظيم والمراقبة. وتعيش العديد من الأسر العربية حالة من التوتر والصراع مع البنات في سن المراهقة اللاتي يرغبن بدورهن في حقن البوتوكس ونفخ مناطق معينة من الوجه بالرغم من عدم حاجتهن لذلك بحكم صغر السن ونضارة بشرتهن.
وتزداد حدة النقاشات والجدل بين الطرفين لأن الفتيات يكتسبن طباع العناد والتمرد في فترة المراهقة على الأغلب فيصعب على الوالدين إقناعهن بأنهن لا حاجة للبوتوكس طالما أن بشرتهن مشدودة ولا يشبهن الشخصيات الشهيرة اللاتي يقلدنها.
وفي المقابل أصبحت ظاهرة هوس المشاهير المنتشرة بين صفوف المراهقين مفيدة لأطباء التجميل، رغم أن هوس المشاهير لا يعد ظاهرة جديدة، لكن إلقاء اللوم على النساء المشهورات يتجاهل حقيقة أنهن يخضعن لمعايير الجمال الخانقة مثل أي شخص آخر.
وتخرب الإعلانات هذه المعايير ببطء، وكانت 54 عارضة من صاحبات المقاس الكبير قد ظهرن في أسبوع الموضة في نيويورك 2019، أي ضعف عدد العارضات البدينات خلال الموسم السابق. كما صورت ماركات مثل ميس جايديد وكوفر غيرل وأفون عارضات يحملن ندوبا وحروقا وحالات جلدية نادرة في حملاتها.
وكتبت الصحافيّة والكاتبة النسوية والسياسيّة، والمستشارة السياسية للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون، نعومي وولف، في كتابها “أسطورة الجمال: كيف تستخدم صور الجمال ضدّ النساء” في العام 1990، أن “الجمال نظام معتقد يبقي هيمنة الذكور سليمة”.
وترى وولف أن الهدف من هذا النظام هو إبقاء المرأة غير واثقة من نفسها. والأهمّ من ذلك، إبعادها عن أي سلطة حقيقية في المجتمع. ويعدّ تنويع معايير الجمال أمرا بالغ الأهمية في جل المجتمعات على اختلاف ثقافاتها، فغالبا ما تكون المعايير المهيمنة محصورة في سمات فئة ضئيلة من المجتمع، لكن مازالت المرأة تواجه فكرة أن المرأة غير الجذابة تعاني من عيب.
ونشأ الجيل زد، وهو الجيل الذي يلي جيل الألفية، مع تأكيدات حب الذات التي طبعت على محافظه ونشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما شهد صورا أكثر واقعية للجمال، ولكن ومع كل ذلك، تبقى الرسالة التي تأخذها الشابات من هذا الأمر هي نفسها: لا يوجد مصير أسوأ من أن يصبحن نساء قبيحات.
وتجمع العديد من الدراسات والإحصائيات على زيادة مطردة في الإقبال ليس فقط على حقن البوتوكس بل أيضا على عمليات التجميل للتشبه بصور المشاهير لدى المراهقات في العالم العربي، وهذه الزيادة تعكس بدورها تغيرات عميقة في النظرة للذات وفي الثقة بالنفس وفي معايير الجمال لدى الشباب عموما.
ويقول مختصون في علم النفس إن هوس المراهقات بالمشاهير بجانب الهوس بالصورة وبنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي جعل الفتيات اليوم يفقدن التوازن النفسي ويلهثن وراء صور محددة للجمال.
وغالبا ما تشتكي الأمهات من مشكلات مع بناتهن تصب في هذا الاتجاه حيث يبذلن جهدا كبيرا لإقناع البنت بأنها ليست بحاجة للبوتوكس ولا لعمليات التجميل طالما أنها لا تعاني من تشوهات في الوجه، لكن في الكثير من الأحيان يكون الرد أنها تريد أن تشبه مغنية أو ممثلة أو فنانة مشهورة تعجبها وتتابعها.
ويرجع الخبراء سعي الفتيات للقيام بعمليات تجميلية إلى نقص في الثقة بالنفس والاهتمام الزائد بصورهن التي ينوين نشرها في منصات التواصل الاجتماعي وبردود الفعل والتعليقات والإعجاب التي يردن أن يتلقينها وكأنهن في مسابقة ومنافسة مع نظيراتهن، وهو ما يعكس خللا في التكوين النفسي لديهن.
وغالبا ما يعترض خبراء التجميل على إجراء تدخلات تجميلية للفتيات دون سن الثامنة عشرة عاما والقاصرات طالما أنهن لا يحتجن لذلك، ويرى الأطباء أن هذا الاعتراض لديه أسبابه الصحية لكون نمو الوجه والأنف والجسد لا يكتمل قبل سن الثامنة عشرة سنة.
ويؤكد المختصون الاجتماعيون من جانب آخر أن تقليد المشاهير ليس وحده المسؤول عن رغبة المراهقات في عمليات التجميل بل أيضا الرغبة في تقليد الصديقات وتوجيه النقد السلبي للفتاة حول مظهرها ووصفها بالقبيحة مثلا من طرف المحيطين بها خاصة من الشبان.