الكثير يشكون من أكاذيب يسمعونها في حياتهم اليومية من أقرب الناس لهم سواء في بيئة العمل أو في البيئة الاجتماعية التي تضم الأقارب أو حتى داخل الأسرة نفسها من الأبناء والبنات أو العمالة المنزلية. وهي بحق مشكلة ولكنها مشكلة تربية في المقام الأول كما نعلم، وهي مشكلة عميقة الجذور بمعنى أن أسبابها ليست وليدة اللحظة بقدر ما أنها ممارسة بدأت لدى الفرد منذ سنواته الأولى. أعتقد أننا نمارس لي الحقائق بطريقة تقترب من الأكاذيب وفي أحيان نرتكب جنحة الكذب دون مبرر أو دون سبب قاهر فنكون قدوة ومثلاً لأجيال أخرى ترتكب الفعل نفسه وبدرجات متفاوتة.
قضية المصداقية في ما يتم سرده من معلومات باتت مهزومة وغير منزهة عن الضبابية والغموض. ولعل ما فتحته المواقع الاجتماعية والتطبيقات الشهيرة في عالم اليوم من سرعة نقلة المعلومات والأنباء وأيضاً في التواصل والاطلاع على أقوال الناس على مختلف مشاربهم ومواقعهم خير دليل على أن المصداقية تواجه محنة حقيقية، وباتت حتى تلك الأخبار التي تصلنا نحتاج للعودة لمصادر محايدة أو مصادر معنية ورسمية للتأكد من صدقها وأنها غير كاذبة، لأنه وببساطة متناهية بتنا نعيش فوضى معلوماتية خطيرة وبات الكثير من ضعاف النفوس يمتهنون نشر الأكاذيب، بل يجدون متعة فائقة بممارسة هذا العمل.
أتذكر في هذا السياق كلمات للروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، في كتابه الذي حمل عنوان: «كيف تكتب رواية» وهو عبارة عن مقالات كتبها على فترات متتالية من حياته، من ضمنها مقال تحت عنوان: «أنا الآخر» قال فيه: «قرأت في إحدى الصحف أنني قد ألقيت محاضرة أدبية في اليوم الفائت في مدينة بالمادي غران بجزر الكناري ولم يكتف الصحفي بإيراد رواية مفصلة للحدث بل إنه قدم موجزاً موحياً لمحاضرتي، لكن أكثر ما فاتني هو أن الموضوعات المطروحة كانت أكثر ذكاء مما يمكن أن يخطر لي، والطريقة التي عرضت بها كانت أكثر جاذبية مما أستطيعه، ولم يكن فيها سوى عيب وحيد: فأنا لم أكن في مدينة بالما، لا في اليوم الفائت ولا خلال السنوات الاثنين والعشرين الماضية، كما أنني لم ألق في حياتي محاضرة واحدة حول أي موضوع في أي مكان من العالم».
ما أريد الوصول له، أننا كثيراً ما نصدم بمقولات أو أحاديث لبعض من الشخصيات العامة الشهيرة، لذا من الأهمية أن نتأكد من مصدر تلك المعلومات وهدفها قبل ظلم الآخرين.