نحن بحاجة للعودة قليلاً للوراء، إلى بعض الأساسيات الحياتية والتعلم لإتقانها، ومن ثم مواصلة الانطلاق لما هو أكبر وأهم، ذلك أنك تفاجأ بين وقت وآخر بممارسات وسلوكيات غير قويمة تصدر من البعض ممن يشاركك الاهتمامات أو الحياة ولا فكاك منه، بمعنى أنه مقدر عليك أن تلتقيه يومياً سواء في مقر العمل أو أن يكون جارك في الحي الذي تسكنه أو غيرها.
والمشكلة أن هذه النوعية من الناس تجد صعوبة فعلية في التعامل والتفاهم معها، فعند حدوث أي موضوع وتحاول شرحه فإنه لن يسمح لك حتى لتكمل فكرتك، ويعتبر حديثك هجوماً وتجنياً عليه، فيقاطعك ويبدأ بالمغالطات ويقوّلك أموراً لم تقلها، والمشكلة أنه بعد ذلك يصدق تخرصاته، وعندما تحاول العودة والشرح تجد أنك لا تعالج الموضوع بل تزيد الهوة بسبب رفضه الإصغاء، حيث تجد أنك دخلت في معمعة ومشكلة أخرى وتهم جديدة لا أساس لها إلا مخيلته. ويمضي وقت دون حل منصف أو حتى التركيز على الموضوع الرئيس، بعدها تبدأ تكتشف أنه كلما طال الحديث والنقاش تتسع الهوة ويزداد الخصام ويكبر الاختلاف.
غني عن القول إن هذه النوعية من الناس تفتقر لأبسط مبادئ الحوار والنقاش وهم مع الأسف كثير، هذا النوع من الناس نصادفهم في حياتنا، وقدرك أن تلتقيهم وتتعامل معهم، وأتذكر في هذا السياق بيتاً شعرياً لأبي الطيب المتنبي يقول فيه: «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد». ـ طبعاً لا أقصد العداوة المطلقة ـ ولكن من النكد بشكل فعلي أنه لا مفر من مجاورة من يسيء لك ويتجنى عليك.
هناك نوع آخر مؤكد أنكم سبق وتعاملتم معهم وأسميهم ثقلاء الدم، وهذه النوعية تعتقد أنك مستعد للحديث معهم في أي لحظة يريدونها، وبالتالي الرد على اتصالاتهم مع أول رنة فلا تقدير لظروف العمل والاجتماعات، ولا لأوقات الصلاة وتناول الطعام، أو التماس العذر بأن الشخص نائم أو مشغول بأي من هموم الحياة المتعددة، فبمجرد عدم الرد يبدأ الزعل والمشكلة تكون أكبر إذا كان هذا الشخص أكبر سناً منك أو أنه يعتقد أنه مقرب لدرجة له أن يهاتفك في أي وقت يراه.
كما سبق وذكرت نحن وسط هذه المعمعة الحياتية بحاجة ماسة للعودة للقيم الأخلاقية التي تتعلق بكيفية الحوار والنقاش، واحترام أوقات الآخرين وخصوصياتهم، ونحوها من القيم الجميلة البسيطة ولكن أثرها كبير جداً.