أطلقت الملحقيات التعليمية السعودية كممثل لوزارة التعليم العالي برامج يوم المهنة للخريجين واستقطابهم لسوق العمل. وهي خطوة ناجعة أمام حملات التشكيك في الاهتمام بالمبتعثين وانخراطهم في سوق العمل. ولكن ما يميز تلك المناسبات ان التنافس مبني على التميز الذي يحمله كل خريج من الجامعات غير السعودية. ولا يقتصر الأمر على استقطاب الخريجين من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وإنما نفس المعايير تقوم بها الجامعات السعودية في الداخل. وبالرغم من وجود أيام المهنة التنافسية إلا أن الطرق التقليدية للتقديم على الوظائف الحكومية هو الأكثر تطميناً للطلاب. ولكن السؤال المهم لماذا الانتظار إلى يوم المهنة أو التخرج؟ فعمليات التهيئة والإعداد تأتي قبل الاستقطاب. وكذلك غياب معايير الإفصاح والشفافية في عملية التنافس بين الخريجين. فكلما كان الإفصاح عن المعايير والشفافية في الاختيار كلما شعر الموظف القادم إلى بيئة العمل ان الاستقطاب تم لكفاءته وليس لأي معايير شخصية أخرى. فحرف "الواو" كان أحد أهم الحروف التي صاحبت الخريجين مع الملف العلاقي الأخضر طيب الذكر لسنوات طويلة. ولكي تمسح تلك الصورة الذهنية السلبية لدى القادم إلى سوق لابد أن تتم وفق قانون الإزاحة". وهذا القانون الفيزيائي لإدارة الحيز المكاني يصلح أيضاً لإزاحة صورة من الحيز الذهني الجمعي. ولعل بعض الظواهر الصحية بدأت تدخل في المحيط الجامعي وذلك باستقطاب الطلاب في السنة التحضيرية للبرامج التخصصية. وهذا يجعل من القادم إلى التخصص العلمي الجديد محباً لتخصصه وقادر على الإضافة المعرفية والإبداعية والتميز. وهذا يجعل من عملية الاستقطاب تنافسية بين مبدعين ومميزين وليس بين من يملك مفاتيح الأبواب وبين من يملك زمام الأحلام. وأرجو ألا يغيب عن الذهن أن السوق السعودي ليست السوق المتاحة أمام المميزين والطامحين منهم، وإنما هناك سوق كبيرة للوظائف السعودية في الخارج والمشغولة بغير المواطنين. فكم من الخدمات المساندة للسفارات والملحقيات المتعددة وحتى الشركات السعودية العابرة للقارات مثل سابك. جميع هذه الفرص الوظيفية المتاحة لغير السعوديين ان تتاح لهم بشفافية وربما بالاستقطاب المماثل أيضاً. وهناك الأسواق الإقليمية الجاذبة مثل دول مجلس التعاون التي بدأت تستقطب العديد من الدول الآسيوية والأوروبية ولا تزال إلى حد ما عصية على المواطن الخليجي. ولكن مناسبات سوق العمل والاستقطاب ستشكل ضغطاً على الأمانة العامة لمجلس التعاون للكشف عن الفرص الوظيفية المتاحة لأبناء الدول الأعضاء. وألا تكتفي بذلك فقط وإنما تعمل على خلق مؤشر حقيقي للتوظيف الخليجي البيني، وأن يكون هناك تحفيز لأرباب العمل تضمن لهم الجودة المقدمة من أبناء المجلس. فخريج برنامج خادم الحرمين الشريفين من الجامعات العالمية أكاد أن أجزم أنه أفضل بكثير ممن يعمل بين ظهرانينا من العمالة الوافدة وربما بشهادات مزورة. ولعل مجموعة "هلكوني" التي كشفت المستور عن الزيف في الشهادات العليا بالمملكة أن تسعى لكشف الزيف عن وهم التوظيف الخليجي في مقابل توظيف وافدين بشهادات مزورة. عموماً، أتمنى أن لا تكون حفلات الاستقطاب للمبتعثين وغيرهم من الخريجين حفلات مظاهر إعلامية وذراً للرماد في العيون، وأن تكون خطوة في طريق تصحيح وتطبيق معايير العدالة والتنافس الشريف بن المميزين من أبناء الوطن. وربما نصيب المرأة من هذا الاستقطاب أقل الأمر الذي يستوجب عناية أكبر لاستيعابهن لسوق العمل بعدالة ونزاهة. ويقال عن خصومة المرأة في مثل هذا الشأن ما قاله الأصمعي انه سمع أعرابية تخاصم رجلاً فقالت: "والله لو صور الجهل لأظلم معه النهار، ولو صور العقل لأضاء معه الليل، وإنك من أفضلهما لمعدم، فخف الله، واعلم أن من ورائك حكماً لا يحتاج المدعي عنده إلى إحضار البينة". فاتقوا خصومة مثلهن في عدالة التوظيف والاستقطاب.