'كان تعييني الأول بمنطقة 'أجوكاك' التابعة لقيادة ثلاث نيعقوب بإقليم الحوز، وهي منطقة تقبع وسط الجبال بلا كهرباء ولا تغطية الموبايل'، تقول خديجة المحمودي لـ'هنا صوتك'. أمضت خديجة ما يناهز عشر سنوات في التدريس بمختلف المناطق النائية بالحوز.
تمزق أسري
'كنا أنا وزميلاتي نتزود بالماء من عين في القرية، وكانت هناك صعوبة كبيرة في التواصل مع السكان بسبب اختلاف اللهجة، فغالبيتهم لا يفهمون اللغة العربية ويتكلمون بالأمازيغية فقط. قضيت موسما دراسيا كاملا في قرية ’اجوكاك' وأعتبره إلى حد الآن من أسوأ فترات حياتي'. قصة المعلمة خديجة تشبه قصص عدد كبير من المعلمات اللواتي يتم تعيينهن للتدريس في قرى نائية، بعيدا عن العائلة والأحباب.
بعد قرية ’أجوكاك‘ انتقلت المعلمة خديجة إلى قرية أخرى مكثت بها تسع سنوات كاملة، تزوجت فيها وأنجبت طفلة عمرها الآن يناهز ثمان سنوات.
'لم أستطع اصطحاب ابنتي بعد ولادتها إلى مكان عملي نظرا لبرودة الطقس، وكذلك لبعد المرافق الصحية، وهذا ما أدى الى فتور العلاقة بيني وبين أسرتي'، تقول خديجة التي كانت تزور ابنتها مرتين فقط في الأسبوع.
'تسبب غيابي عن ابنتي في نفورها مني مع مرور السنين، ولا زال أثر ذلك على سلوكها حتى اليوم. سلوكها يتسم بالعنف والرفض المطلق للأشياء، وكانت تعبر عن إحساسها بالإهمال من ناحيتي في كل مناسبة'.
ترى خديجة المحمودي أن التعيين في المناطق البعيدة يتسبب للمدرسات في معاناة نفسية واجتماعية وحتى مادية، ما يدفع بعض المعلمات إما للعزوف عن الزواج وإما لترك الوظيفة.
اضطرابات نفسية
أعرب مصطفى التاج، رئيس الشبيبة المدرسية المغربية، وهي جمعية وطنية تهدف إلى الإلمام بكل مشاكل التعليم والدفاع على قضايا التلاميذ لـ 'هنا صوتك'، عن أسفه الشديد لظروف العمل الرديئة التي تؤثر سلبا على عطاء المعلمات في المناطق القروية البعيدة.
'قضيت شخصيا عشر سنوات معلما في العالم القروي متنقلا بين بوادي سوس العميق، وعشت تجارب زميلات معلمات اشتغلن معي، واللواتي كن يعانين من البعد الجغرافي الذي يفصل مكان ازديادهن ودراستهن عن بيئة عملهن، حيث كانت تغيب أبسط شروط العيش الكريم وتتجلى المعاني الحقيقية للفقر المادي والفكري والعلمي'.
ويضيف رئيس الشبيبة أن بعض المعلمات وصلن إلى حالات متطورة من الأمراض النفسية.
' اختل عقل معلمة كانت تدرس بمنطقة 'آيت باها' في منطقة سوس الأمازيغية، وتشردت على أسواق القرى المجاورة. وهناك شهادات لسكان في قرى معزولة عن معلمات حاولن الانتحار في حركات يائسة تنم عن نهاية الحلم في الانتقال الى العالم الحضري حيث العائلة والأحباب'، بحسب مصطفى التاج.
و في نفس السياق ذكر منير موحسيم، معلم بمنطقة تغولاست التابعة لجماعة زرقطن إقليم الحوز أنه عايش هو الآخر عدة حالات لمعلمات لم يستطعن التوفيق بين ظروف عملهن وحياتهن الأسرية .
'أعمل الآن مع معلمات تقدمن في السن ولم يتزوجن، وأعرف أخريات يعشن تمزقا وتشتتا أسريا بفعل غيابهن المتكرر على بيوتهن بالمدينة، وهذا ما يؤدي بغالبيتهن في معظم الأحيان إلى الطلاق'.
عين منير أول مرة بمنطقة 'تيسكاتين' جماعة سيدي احمد امبارك (237 كلم عن مدينة مراكش)، وكان شاهدا على حالات معلمات استسلمن لظروف الواقع ولم يكملن مسيرتهن في التدريس.