عندما يعيش أحدنا تجربة حب طويلة، ولا يقدر لها الاستمرار لأي سبب من الأسباب، فإن ذكرياتها تظل حاضرة في ذاكرته لوقت ليس بالقليل، فلن ينسى أي جزئية منها، ولكنه بعد فترة من الزمن قد يتجاوز هذه الذكريات ويضعها جانباً ويتطلع للمستقبل، رغم هذا فإن ملامح الفشل السابق تظل تطل بين وقت وآخر وتظل حاضرة في كل موقف مشابه.
والذي أريد الوصول له أننا نحاول جاهدين أن نخفي مشاعر الحب الأول ونجتهد في هذا الجانب، وفي الحقيقة الجميع يفعل هذا، طبعاً هناك كثير من الأسباب تدفع لمحاولة التناسي ومحاولة غمر تلك التجربة بتراب من النسيان واعتباره ماضياً لا أكثر، لعل من تلك الأسباب الجوهرية الرغبة في بداية جديدة.
الوضع مختلف في فيتنام، حيث يمكن للعشاق القدامى الالتقاء وعلناً أيضاً، بل والجلوس مع بعض واستعادة الذكريات الجميلة، وهذا يتم في مهرجان سنوي يتم تنظيمه في قرية تسمى خاو فاي، تقع على الحدود مع الصين، ويسمى هذا المهرجان «سوق الحب».
ويلقى هذا المهرجان إقبالاً كبيراً، حيث يتوافد مئات من أفراد القبائل التي تسكن بالقرب من القرية، لحضور فعالياته لمدة يومين ويصادف الأسبوع الأخير من شهر مايو كل عام. وكالات الأنباء التي نقلت الخبر بينت أن لإقامة هذا المهرجان سبباً، وهي أسطورة محلية قديمة تم تداولها منذ أجيال طويلة تحكي قصة عشق حزينة جمعت بين شاب وفتاة من قبيلتين في إقليمي ها جيانج وكاو بانج المتجاورين، يضطران إلى الافتراق عن بعضهما بعضاً، بعد نشوب صراعات دموية بين قبيلتيهما المتنازعتين، ولأن الحب أكبر من الحرب قرر العاشقان الالتقاء سراً مرة كل عام، في نهاية شهر مايو ثالث الشهور القمرية في التقاليد الفيتنامية، وأصبح بعد ذلك تقليداً سنوياً في فيتنام، فعندما يحل الليل يبحث العشاق القدامى عن بعضهم بعضاً، من خلال أدائهم بعض الأغاني العاطفية.
غني عن القول إن هذا السوق ضد الطبيعة البشرية أو بمعنى أوضح ضد نعمة النسيان، هذه النعمة البالغة الأهمية والتي تمكن كل إنسان من بداية جديدة وخوض غمار تجربة لمواصلة الحياة، فكيف هو الحال بشخص مر بتجربة فاشلة لا بد وأن يستعيد شريط الذكريات دوماً؟ أيضاً فإن المشاعر الإنسانية لم تكن في أي يوم من الأيام وفق العرض والطلب، فليست بحاجة لتكون سلعة يتم عرضها وبيعها وتقام لها أسواق سنوية، أعتقد أن هذا السوق للترفيه لا أكثر.