حظي تمرير تونس للدستور الجديد في يناير/كانون الثاني الماضي بإشادة كبيرة لاسيما وأنه يحتوي على مادة تنص صراحة على حماية المرأة ضد العنف.
غير أن قضية سيدة تونسية تعرضت لاغتصاب من رجال شرطة تجسد قدر ما يواجه تونس من تحديات، مع إصرار تلك المرأة على نيل حقها قضائيا رغم صدور حكم لصالحها بعد أن اتهمت في بادئ الأمر بارتكاب "الفعل الفاضح".
مازالت مريم بنت محمد، وهو اسم مستعار، تشعر بحالة سخط حتى بعد صدور حكم لصالحها وإدانة اثنين من رجال الشرطة بتهمة اغتصابها وسجنهما سبع سنوات، فيما حكم على ضابط ثالث بالسجن عامين بتهمة ابتزاز خطيبها ماليا.
لكن محاميها قالوا إن موكلتهم (مريم) انهارت خلال جلسة الاستماع يوم الاثنين عندما اتهمها المدعى عليهم بمحاولة إغوائهم.
كما قدم فريق الدفاع تقارير من الطب الشرعي أظهرت أن الضحية ليست عذراء.
ويعتقد فريق الدفاع عن مريم أن ذلك كان سببا وراء تخفيف المحكمة لعقوبة الاغتصاب في القضية، حيث يعتبر الكثيرون ممارسة الجنس خارج الزواج محرما في تونس.
وقال مارتن براديل، أحد المحامين :"تتراوح عقوبة السجن بتهمة الاغتصاب في تونس بين 10 إلى 15 عاما في المتوسط، وبحد أقصى السجن مدى الحياة."
وأضاف :"لابد أن القاضي أخذ في اعتباره أنهم رجال شرطة في الخدمة. فخفف الحكم، ونحن نريد أن نستأنف."
ولم تفصح مريم عن هويتها حرصا من عائلتها على عدم تشويه سمعتها.
وسرعان ما انهار صوتها الهادئ مع استرجاعها حادثة الاعتداء الجنسي المزعومة وتفاصيلها.
مكبل الأيدي
كان يوم الثالث من سبتمبر/أيلول 2012 يوما احتفاليا، إذ قضت مريم أمسيتها مع صديقها الذي بدأ عمله الجديد للتو.
وأثناء عودتهما إلى المنزل، استوقف رجال الشرطة سيارتهما في حي عين زغوان.
وأضافت مريم أن ثلاثة أفراد، قالوا إنهم من الشرطة، طلبوا منهما فتح باب السيارة، وعمد أحدهم إلى تكبيل يد صديقها واقتاده إلى ماكينة صراف آلية وابتزه.
وقالت مريم إنه بعد أن غاب صديقها عن النظر، سحبها رجلا الشرطة إلى داخل سيارتهما.
وقالت "جلس أحدهما إلى جواري، في حين جلس الأخر في مقعد السائق."
وأضافت أن الشخص الذي كان يجلس إلى جانبها كان يرغمها على ممارسة الجنس مستخدما العنف.
وقالت مريم إن الشرطيين تناوبا اغتصابها في سيارة الشرطة، مضيفة :"انتابتني صدمة وقشعريرة، كنت أبكي بعد أن اغتصبني الأول وطلبت منه أن يتركني، وحاولت الهرب، لكنه أغلق باب السيارة على يدي، وأصاب إصبعي."
رد فعل رافض
قررت مريم في اليوم التالي تحرير محضر بواقعة الاغتصاب، لكن رد فعل مركز الشرطة إزاء خطوتها كان الرفض.
وقالت إنها مكثت رهن احتجاز الشرطة ولم يفرج عنها إلا بعد أن وقعت على خطاب يفيد موافقتها على التنازل عن الشكوى.
واستطاعت مريم، بمساعدة فريق مؤلف من أربعة محامين، تقديم شكوى، لكن استنادا إلى شهادة المتهمين وجه النائب العام لمريم وصديقها في البداية تهمة الفعل الفاضح.
وأضافت أن الاتهام كان "أشبه بأني أتعرض لاغتصاب من جديد".
قالت منى بوسلمي، ناشطة تونسة بارزة في حقوق المرأة وعضوة في فريق الدفاع عن مريم، إنها دافعت عن ضحايا الاغتصاب في الماضي، لكن هذه القضية خاصة.
وأضافت :"قضية مريم قضية رأي عام، ليست قضية شخصية. إنها جزء من شوط طويل للديمقراطية."
تعتبر قضية حقوق المرأة في تونس بمثابة ساحة معركة في أعقاب الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي عام 2011.
وأسقطت المحكمة التهمة عن مريم وصديقها في النهاية بعد اندلاع غضب عام على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى احتجاجات خارج المحكمة.
كما قدم الرئيس التونسي منصف المرزوقي اعتذارا رسميا.
وقالت مريم :"أخاف من أسر المعتدين. جاءوا مرتين إلى أهلي، وأرادوا الحديث معي وحاولوا إقناعي بالتنازل. قالوا إنني تسببت في بكاء أمهات، وتسببت في بكاء ثلاث أسر، وإنني سأندم على ما أفعله."
حياة معاناة
تعيش مريم حاليا في فرنسا مع صديقها، لكنها تقول إن حياتها كانت ترتبط بالمحاكمة التي تأجلت 11 مرة قبل إصدار الحكم.
وأضافت أنها تعاني من اكتئاب وأرق، كما تأثرت دراستها وحياتها الاجتماعية.
ويعتبر العديد من مؤيدي مريم الذين تجمعوا خارج المحكمة في العاصمة تونس أن القضية بمثابة قضية رمزية.
من بين هؤلاء المؤيدين، أحلام بوسيرويل، عضوة بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إحدى أكبر مؤسسات حقوق المرأة في البلاد.
وقالت بوسيرويل "لدينا جمهورية ديمقراطية، نحتاج أن نبذل الجهود لحماية المرأة من العنف. هذه العملية تستغرق وقتا طويلا."
حظى تمرير الدستور الجديد في يناير/كانون الثاني على إشادة واسعة، لاسيما المادة 46 التي تنص صراحة على حماية المرأة من العنف.
وقالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس :"لا يوجد إطار لحماية ضحايا الاغتصاب. رد فعل الشرطة والقضاء عادة هو الرفض".
وأضافت :"قوات الأمن هنا مازالت تعمل بنفس طريقة الإفلات من العقاب التي مارسوها في ظل نظام الحكم السابق".
وقالت "أفراد الشرطة والقضاء يحتاجون إلى تدريب على كيفية التعامل مع النساء من ضحايا العنف الجنسي".
وتعتقد القلالي أنه إن لم يوجد إصلاح شامل لطريقة تعامل الشرطة والقضاء مع قضايا الاغتصاب، فلن تصبح المادة 46 من الدستور التونسي الجديد ذات معني، وسوف تعاني ضحية الاغتصاب من دفعها بعيدا عن سلك الاجراءات القانونية.
وتعتقد مريم أن الدستور الجديد لن يختلف، لكنها تأمل في أن تحذو العديد من التونسيات حذوها، وقالت إن المرأة عليها أن تقف وتدافع عن نفسها، لأن المواد القانونية لا تستطيع أن تغير أي شئ.