إن مما يؤلم له في عالم اليوم أن تشاهد كثيراً من دول العالم العربي، وهي تعيش في مد وجزر، حيث تجد بعضها تتخبط في أتون معارك وقتال يتم خلاله سفك الدم من دون تمييز أو رحمة لطفل أو لكبير في السن، ودول أخرى تعيش شعوبها إحباطاً مؤلماً، بسبب عثرات تنموية قاسية سببت الفقر والبطالة، ودول تعيش تخبطاً كبيراً، بسبب سياسات عدائية تمارسها ضد دول وشعوب شقيقة، وهي تغفل التاريخ والجغرافيا، وقبلها تنسى القيم والمبادئ وتتجاهل المورث العربي الأصيل.
المعضلة الأشد في هذه المعمعة والفوضى المؤلمة، أنها تتم تحت شعارات لعل من أكثرها وجعاً للقلب، رفع الإسلام، وأن هذه من مقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها، وغني عن القول إن الإسلام براء من هذا الجنون ومن التخبط وعدم الفهم.
في بلادنا الحبيبة، ولله الحمد، إدراك حكومي وشعبي لهذه المعضلة، وإدراك لطبيعة الدين الذي ندين لله به بالوحدانية والعبادة، وندرك أن ديننا دين تسامح ومحبة وشمولية وعمل وإنتاج لا بغضاء أو كراهية.
وأعتقد أن المنتدى العالمي عن «تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» الذي انطلق مؤخراً في أبوظبي، جاء ليؤكد هذه الحقيقة الناصحة، وأجمل ما شاهدته خلال أعمال هذا المنتدى، أولاً الحضور القوي لعدد من علماء الأمة الإسلامية الذين عرف عنهم سعة العلم، وأمضوا جل أعمارهم في خدمة الدين الحنيف، والإعلاء من قيمه الإنسانية النبيلة.
ولفتت نظري الكلمة التي تفضل بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتي أكد خلالها أن الشريعة الإسلامية الغراء نزلت بمقاصد سامية وقيم راقية من أعلاها وأهمها تعزيز السلم وحفظ الأنفس وصون الدماء وإفشاء السلام، وأن الإسلام جاء لجمع الكلمة وإشاعة المحبة وبث روح الوئام بين الناس على اختلاف دياناتهم وتنوع معتقداتهم.
وقال سموه «إن من أهم أسباب الشقاق والحروب الطائفية التي تمزق أمتنا اليوم غياب صوت العقل وانحسار مبدأ الاختلاف الذي جبلت عليه الخليقة وتصدر أشباه العلماء مواقع الريادة ومنابر الفتيا واحتلالهم لوسائل الإعلام المتنوعة، فاستخفوا رهطاً من الناس، فانساقوا خلفهم من دون وعي ولا دراية».
وبحق، فإن هذه الكلمات قد شخصت الوضع بشكل تام، وأرجعت المشكلة لجذورها الحقيقية ومكمنها الطبيعي، فأشباه العلماء هم من ابتلينا بهم وبطموحاتهم المنحرفة، هؤلاء هم من يحاولون تسخير ديننا، لتحقيق مطامعهم الأنانية.
هذا المنتدى مهم، لجمع علماء الأمة بحق، ولتصفية وتنقية ديننا من لوثة أفكار الموتورين.