أستذكر أيام الشارقة التراثية التي تنظم سنويا في عاصمة الثقافة الإسلامية في الإمارات الحبيبة ، وبالذات حين طرحت الموضوع في مقهى الدريشة بإعتباره موضوع هام و يدق ناقوس الخطر ،وهو من الاهمية بمكان لإنه يتداول بأغاني الأطفال ،أطرحه هنا بدوري كإستشارية أسرية وخبيرة في التنمية البشرية وكناقدة إعلامية ،وحين طرحت موضوع الإستمالة العاطفية في أغاني الاطفال بحضور نخبة من الإعلامين ،و والكل يعلم أنه إذا كان لكل شعب ثقافته وتراثه الخاص به ،فلكل إنسان تراثه الخاص به الذي يتمثل في صندوق ذكرياته ،والذي هو جزء لا يتجزا من تراث مجتمعه ،وتمثل أغنية الطفل أحد مكونات تراثه وموروثه الثقافي , ومن المفترض أن هذه الأغنية تنمي فيه الحس الجمالي وهي وسيلته التعرف على بيئته والاستمتاع باللحن العذب ونموه اللغوي مشيرة إلى اهمية الموسيقى في حياة الطفل حيث أكدت الدراساتأن الموسيقى واللحن العذب يساهم في النمو الحركي والنفسي , هذا الطفل الذي بات يتعرض في هذا العصر للعديد من المتغيرات الإجتماعية التي جعلت الام التي كانت لديها من الوقت ان تهدهد طفلها بأغنيات تحمل مفردات بيئته وهو في احضانها , بعد نزلت إلى العمل تاركة مسؤولية رعاية أبنها إلى الخادمة في ظل عصر ثقافة ماما الخادمة وبابا السائق والذي واكبه تطورا كبيرا في وسائل الاتصال وقد أوضحت كباحثة أن التطور التكنولوجي أثر سلبا على الاغنية التي تستهدف الطفل فبعد ان كانت الاغاني تحمل قيما ومفردات قريبة من بيئة الطفل إلاأن التليفزيون الذي يعد الاب الثالث للاطفال أصبح الوسيلة الاكثر استمالة لاطفالنا وفرض أنواع من الموسيقى الصاخبة والتي تبعا للدراسات تؤثر سلبا على سلوك الطفل ويمكنها أن تجعله قلقا ومتوترا بل وعنيفا وأشارت إلى غياب كامل من التعاون بين علماء نفس النمو وعلماء اللغة لتخرج الاغنية ملائمة للنمو العاطفي للطفل في مراحله المختلفة ويتم توظيف الاستمالات العاطفية التي تلائم فئة الاطفال أكثر من الاستمالات العقلية مثلا من أجل أن تؤدي الأغنية الهدف منها فهي رسالة تصل إلى الطفل عبر العديد من الوسائل أهمها التليفزيون الذي أنتقل إلى الموبايل والكمبيوتر وهي مفردات العصر التي اصبحت في متناول أيدي الصغار وأشارت إلى أن أطفال هذا العصر الذين يتعرضون لمشاهدة مشاهد العنف في العابهم وفي دراما الكبار ويدخلون عالم الكبار مبكرا بدون نموعاطفي يتلائم مع ما يشاهدونه والناتج أطفال يشاهدون أغنيات الكبار في هذا العصر الذي يتسم بما يسمى بالاغنية الشبابية التي حوت ألحانا صاخبة وحملت كلمات ومعان سطحية ومشاهد غير لا ئقة مع الطفولة واصبح الطفل أسيرا لتقطيعات الفيديو كليب التي اثبتت الدراسات تأثيرها السلبي على خلايا المخ بالاضافة إلى ان هذا الجيل الذي ضلت القراءة طريقها إليه بالرغم من الجهود المبذولة أصبح مبهورا باللغات الاجنبية ولغة الشات منذ نعومة أظافره وأصبحت حتى مفرادته قليلة فلم يعد لديه اغنيته التي يمكنها أن تحفظ له لغته وهو الطفل الذي يميل إلى الموسيقى بطبعه بل هو ملحن لكلماته وأشرت إلى نموذج أغنية ضياء الدين التي ظهرت في الستينيات تعلم الاطفال الأحرف الابجدية وطرحت كلمات تخص كل أطفال العالم بابا ماما وطني علمي حرية قومية سلام أمان جندي بلدي شجاع وفي الالفية الثانية هو اسير لبابا أبوح وبوس الواوا وأسير لأغاني الكبار الذين اصبحوا قدواته والنماذج التي يقلدها .
أوضحت ان الاستمالة العاطفية قد تكون في الكلمة وقد تكون في اللحن العذب وقد تكون في الصوت الذي يؤدي وقد تكون في الصورة التي تضم كل العناصر السابقة والتي اصبحت هي المسيطرة
وبينت أن تجربة مشاري في انشودة يا أمي ما لون الضياء ومالون السماء وما القمر نموذج لاستغلال الأغنية لتعليم الاطفال كيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل قرار وزارة التربية والتعليم بالامارات بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس ،وكان لتجربة الاديبة الشاعرة صالحة غابش في الكتابة للطفل من خلال مسرحيتها "عيالنا بخير" في اغنية ماما ياماما بمشاركة ألحان ليلى ابو ذكري والتي تنادي فيها الطفلة بعدم تركها للخادمة تجربة فيها استمالة عاطفية تقنع الام ذاتها بالقيام بمسؤوليتها وإن كانت هذه التجربة لن تعيش وتحقق الهدف إذا لم يتم تصويرها في عصر ثقافة الصورة المرئية فلن تلاقي الأستمرار لإن التكرار يفرض نفسه سواء بخس أو ثمين والطفل يقتنع بما يلح عليه .
و هناك مسؤولية تقع على الجميع بأن تسثمر رؤوس الاموال في أستغلال أغاني الأطفال بما يحقق العديد من الاهداف التي تساهم في تربية وتعليم النشئ والحفاظ على تراثه اللغوي والموسيقي مشيرة إلى ان هذا لا يعني ان تغيب مفردات العصر الخاصة بهذا الجيل في أغنياته ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه إذا كانت أغنية الطفل بصوت أمه التي غابت وتركته للخادمة او للحضانة وإذا كانت قد غابت الاغنية في الاذاعة التي تراجع دورها, وإذا كان التليفزيون الذي اصبح الجليس الالكتروني للاطفال يعرض للطفل ليل نهار مواد الكبار بدون مراعاة لنموه اللغوي والعاطفي والعقلي وإذا كان هناك شبه غياب لمهرجانات أغاني الاطفال وأقل ميزانيات هي المخصصة لاغاني الاطفال فكيف يمكن ان نقنع طفل هذا الجيل بأغنية ماما زمانها جاية وذهب الليل وطلع الفجر وهويسهر طوال الليل يقتل بضغطة زر العديد من البشر عبر العابه الالكترونية ويشاهد النجوم الذين اصبحوا قدواته يعيشون في اغانيهم الصاخبة قصص الحب وهو الموضوع التقليدي في الاغاني الشبابية وكيف يمكن لطفل لا يعتز بلغته العربية ان يستمع إلى تعبيرات تمس وجدانه وتخاطب عاطفته ليظل الاجابة هل الاستمالات العاطفية في أغاني الاطفال هي في الكلمة التي لا يفهمها أم اللحن الذي يؤثر سلبا عليه أم الصورة التي خدشت حيائه.
إننا بحاجة إلى الوعي بهذه المتغيرات لنصنع اغنيات للطفل تساهم في الارتقاء به فالاعلام بكل ما يبثه شئنا أم أبينا له تأثيره النمائي عل اطفالنا ويبقى سؤال آخر أين الاغاني الموجهة للطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة ..... هل نقنع في عصر التخصص بأهمية تعاون حقيقي بين المتخصصين والمبدعين في مجال الإعلام المقدم للطفل.