سخيف هذا الحظ الذي يكتب عناويننا دون أن نقطع إليها الطريق، مريض هو الوقت المتسمم بعقارب ساعات اﻻنتظار، كئيبة هذه الشمس الواشمة أحﻻمنا بالنار. هو الخوف إذا؟؟ ربما.. كأنه ألم الوداع القادم، حين نغفل عن حجر في اﻷساس، وننسى بقعة بﻻ تبييض.. هو الجدار ببقعة فارغة، تﻻعب الزمان فيها، فصارت بحجم الثقب اﻷسود.
أسماؤنا؟ سقطت عنها النقاط في بركة الوهن، كأنا ولدنا لنستوقف ألف الأبجدية قبل أن تئن بداخلها، فركلتنا اﻷبجدية كلها عن اﻷسماء. أسماؤنا هوية الشمس فينا، وظﻻل عبثية، وأسوار لقﻻعنا المتهالكة، وستارة معتمة تخفينا.
كنا نلتصق في الظل ﻷﻻ نحترق، فاحترقت وجوهنا في الظﻻل، وهوى الظل عند بقعة الفراغ في الجدار.
كنا هنا من قبل، يستهوينا الحب شعاعا خافتا، يخفي تجاعيد التعب. هي اﻵن هنا وحدها، تضم في كفها الفراغ، تمسك قلبها ثقيلا، فتنهار ذراعها. ﻻ حمل تقدر عليه تلك الذراع الضئيلة، وﻻ ظﻻل تحفظ العهد مع القلب.
الحب، لعنة حلت عليها فقالت لعصا الجنية شكرا! وقال درويش قبلها "أحبك يا لعنة العاطفة".
عشرون عاما وهي تصغي لحشرجة شعرها حين يشتد فيه المشط فينكسر، وتترك شعرها غاضبا. عشرون عاما وهي تحمل رفاتها على كتفها، والقبر ينتظر مرور العظام لمواساة التراب. عشرون عاما، وهي تلوك حكايات الجدة، ولم تقع على حذاء السندريلا إﻻ في صفحات رواية للأطفال.
الربيع رواية رومانسية، يرشق فيها اﻷبطال ثيابهم زنابق بألوان المواعيد. الخريف بداية روايتها، وثوب يمامة قلبه ورقات من شجر الزيتون، وجنون النظرة الأولى: "أريدك" أرادها، انتهك صوت الريح وصار صهيل عشقه أقوى. للعاشقين منازل في بساتين الربيع، ولها مع البرد وشجن السماء دموعا، حكايات مواعيد
عشرون عاما وهي ترسم بالطبشور ربيع الحلم، حبا يتسلل من قنديل علي بابا، يقول: "شبيك لبيك!"
فتجيب: "أريد يدا ترسم ابتسامتي"
مازال الرسم عالقا على جدار مدينتها، مضت السنوات العشرون، وصار الرسم هاتفا تنقر على أزراره اسما ما، يقول الهاتف "شبيك لبيك"، فتقول "أريد استعادة صدى صوتي إن أجابني وجعي، أو صوته إن أجاز ﻹصبعه الرد" تنبت أمنية في لحظات اﻻكتئاب، أن يسقط من الرسم صوت يعافر ﻷجلها "أينك! مازلت أريدك ﻷرسم بأصابعي ابتسامتك".
الجدار هاتف/صامت، ﻻ يرن في أذن الحب، هو فقط يتعود جفاف الظل بجانبه، دون قطرة صوت يرسمها الطبشور.
يدخل الظل بقعة الفراغ في الجدار، ويأخذها معه، تصبح هي والظل واحدا.
يتركان الشمس للتراب والهواء، وعابري الوقت لتحرق رؤوسهم.
لم تكن تبالي بانهيار الحروف عند كل زلزال، كانت تراه ظرفا عابرا، تستعيد بعده اسمها واسمه متكاملين. لكن، مع كل انفجار بركان كان يحترق فيها شيء، كلما غمرت الحمم طريقها أحرقت نرجسة فيها، وحين يهدأ البركان، تنبت بدﻻ عن النرجسة صبارة.
للجدار عريه أيضا، حين يستأنف الشتاء عمله الموسمي، ويلفحه برد الوحدة، وتزور العتمة الفراغ، فيتسع مدى الصدى فيه، والجدار، عار بﻻ بياض ثوب عاشقة تتكئ عليه بانتظار حبيبها، أو بياض وردة عاشق تحت مطر اﻻنتظار.
صوت الشهوة مربك كتعثر حبات رمل بأسنانها، وطعم الحب مرارة تغزو فنجان قهوة الغياب، لكن أسماءنا جميلة رغم حروف اﻷلف الكئيبة فيها. اﻷلف آه، واﻵه صبارة نبتت بجانب الظل في الفراغ.
بعد عشرين عاما، ستأتي يد تبحث عن الظل، ستناديه أصابعها داخل الجدار، تتلمس تجاعيد الانتظار فيه، فﻻ تجدها. للانتظار مواعيد يخنقها الغبار داخل الجدار. تحاول اليد نفض الغبار، يستهلكها الوقت طويﻻ، والظل ﻻ كلمات تحدث عنه. الظل ﻻ يموت، والوقت ﻻ يموت، لكن اﻻنتظار صبارة، مع الوقت أصابها الزهايمر، فترك للظل بقعة مبهمة في الذاكرة.