أرقام مفزعة عرضتها وزارة العمل بعد طرحها لبرنامج (حافز) لدعم الباحثين عن العمل. هناك 1.6 مليون سيرة ذاتية مكتملة لدى الوزارة لنساء سعوديات تقدمن لبرنامج حافز. وحتى على افتراض أن نسبة من هذا الرقم الكبير تقدمت للبرنامج من أجل الحصول على الإعانة المالية فقط، وليس رغبة صادقة في العمل، يظل عدد النساء الباحثات عن العمل كبيرا بكل المقاييس.
بالرغم من صدمتنا بهذه الأرقام، إلا أنها متوقعة ومنطقية نظرا للمقدمات الموضوعية والحقائق حول أعداد النساء الخريجات من الجامعات والمعاهد أولا، ومحدودية المجالات التي كانت متاحة لعمل المرأة من جهة ثانية. فالتوسع في التعليم أدى إلى وجود هذه الأعداد الكبيرة من المؤهلات تعليميا للدخول في سوق العمل. بالإضافة إلى تغير الظروف المعيشية والاقتصادية التي جعلت من المرأة عائلا مشاركا لأسرتها، أو حتى تغير قناعات المرأة ذاتها ورغبتها في المشاركة الفعلية في التنمية والعمل.
ومن غير المعقول ــ طبعا ــ أن يستوعب قطاعا التعليم والصحة، واللذان ظلا الملاذ التقليدي الآمن والمتاح لعمل المرأة في العقود السابقة، كل هذه الأعداد الراغبة في العمل. لذلك كان لا بد من أن تكون الحلول العملية لهذه الأزمة هي في خلق فرص عمل جديدة للمرأة في القطاع الخاص وفي مجالات غير تقليدية، حتى وإن كانت تلك المجالات تابوهات اجتماعية لا تقبلها الثقافة التقليدية والصورة الذهنية لطبيعة عمل المرأة السعودية.
أمام هذا المأزق، قامت وزارة العمل بجهود كبيرة لتقديم الحلول خلال السنتين الماضيتين. من أهم ما قامت به وزارة العمل لحل الأزمة إصدار قرارات تخص عمل المرأة. أولها تأنيث بيع المستلزمات النسائية (الداخلية)، والتي ظلت العمالة الرجالية غير السعودية متربعة عليها. كما قامت الوزارة في المرحلة الثانية بتأنيث محلات بيع العطور والإكسسوارات وغيرها. القرار الثاني هو سن القوانين والتشريعات لسعودة وتأنيث الوظائف الصناعية المناسبة للمرأة، حيث أوضح وكيل وزارة العمل للتطوير عن مشروع الوزارة لدعم عمل المرأة في المصانع بناء على ما توصلت إليه من رغبة 20 ألف سعودية للعمل في المجال الإنتاجي، و16 ألف سعودية للعمل في المجال البنائي، حيث إن مشاركة المرأة في القطاع الصناعي لا تتجاوز 1.2%. أما القرار الثالث، فهو قرار احتساب عمل المرأة عن بعد. ويتيح هذا القرار للقطاع الخاص احتساب نسبة من النساء العاملات في المنازل في حساب السعودة لدى تلك الشركات، ما يتيح للاقتصاد استخدام تقنيات الاتصال الحديثة لخلق فرص عمل للمرأة التي تحد ظروفها من حركتها.
إن مشاركة المرأة في التنمية الوطنية لا تكتمل إلا من خلال محورين: الأول يقوم على توسيع فرص عمل المرأة وسن القوانين والتشريعات التي تضمن حقوقها عند عملها في مجالات غير تقليدية، وقد قامت الوزارة بتحديد العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والمرأة العاملة باشتراط عقد عمل يوثق كافة الحقوق والبدلات، بما في ذلك التأمين الطبي للمرأة العاملة ولمن تعولهم شرعا وتحديد ضوابط تراعي متطلبات المرأة العاملة في مجتمعنا مثل ساعات وظروف العمل. أما المحور الثاني، فهو يدور حول تغير ثقافة المجتمع ونظرته لعمل المرأة وتغير نظرة المرأة ذاتها لمجالات العمل التي يمكن أن تشارك فيها خارج إطار المجالات التقليدية مثل التعليم والصحة.
العمل وسام وتاج للمرأة، وها قد أصبحت مشاركة المرأة في التنمية والعمل خارج المجالات التقليدية أمرا واقعيا مقبولا تحكمه القوانين يعيدا عن المزايدة والتوجس.