ارتدت أجمل ثيابها، تأنقت كأنها في ليلة زفاف، لثمت قوافي مفردات الحب براعم ثبتتها على شفاهها وهي تهمس مبتسمة يا لي من مجنونة! أبعد هذا العمر اجدني اعود فتاة مراهقة فضفاضة الاحلام، تسعد لكي ترتمي بأحضان من تحب بعد غياب سفر، لا أدري؟! شعورا ما يلفيني يجعلني أتألق وجدا من أجل ان أراه هنا أمام ناظري... لا بل اريد ان أنام على صدره... لقد اشتقت الى رائحة انفاسه وعطر ثيابه اللذان لم يفارقاني لحظة، وقفت في وسط الصالة وهي تمسك بأذيال ثوبها، تلتف كفراشة خرجت توا من شرنقتها، تغني نار حبك نار... ثم ضحكت بصوت عال... اجل يا حبيبي لقد اكتويت بنار حبك حتى بت لا أطير الى حول ضياءه راغبة في الانصهار معك الى الابد، قد أذوب بين يديك حين تمسك بي لتلثم وريقات وردتك التي تحب شما وقُبُلًاً، حينها تتمدد كل وريقاتي تتفتح من أجلك، تنشد ان تسقيها بماء الحياة... افرح حين أجدك بين يديً كطفلي المدلل وانت ترغب بشدة في ضمك الى حنايا صدري، اداعبك فتضحك، أناغيك فتطرب، ثم تغفو بهدهدة أنيني وولهي منك إليك... يا الله كم اتوق اليك؟
في أثناء همسها تطلعت الى الشمعدان الموقد بالشموع على طاولة الطعام التي اعدت وهي تبتسم، نظرت الى الساعة الواقفة الى جانب المدفأة... إنها السابعة مساء... اتجهت نحوها، لا شعوريا حركت رأسها مع بندولها وهي تقول: تِك...تَك..تِك..تَك، يا لك من بندول ممل ألا يمكنك أن تسرع قليلا؟ أو تقوم بحركة ترمي بسهمك الكبير هذا الى ان يصل النصف!؟ إن موعد وصوله كما قال لي السابعة والنصف ... أي بعد ثلاثون دقيقة، والدقيقية ستون ثانية... والثانية عندي عام من الانتظار.... يا الله كم طويل هو الوقت؟؟؟ حركت رأسها بسرعة كأنها تريد للبندول ان يسرع معه، مدت يدها الى عقاربه تريد الزحف بها الى الوقت الذي تنشد، لكن.... رنة جرس الباب جعلتها تفزع!! عادت الى الوراء، لم تصدق أنه هو .. هكذا ظنها قال لها... وقبل ان تشرع بفتح الباب نظرت الى المرآة... وهي تضحك قائلة: سيفاجأ حين يراني هكذا... أنا متأكدة... فتحت الباب بابتسامة مدة الفراق ودموع لهفة اللقاء...؟؟؟!!!
لكن المفاجأة!!!
عذرا سيدتي... هل هذا منزل السيد بهاء؟؟؟
ذابت الابتسامة... بلعت ريقها بعد أن شعرت أن الارض تهتز تحتها... أمسكت بالباب بقوة خوف السقوط الى الارض...
كرر الرجل... سيدتي هل هذا هو منزل السيد بهاء؟؟
هي: أجل إنه هو...
هذه برقية.. أرجو ان توقعي على استلامها...
أمسكت بالبرقية! ثم أغلقت الباب دون ان تلتفت الى الرجل الذي جلبها، حتى إنها لم تسأله عن أي شيء، فالصدمة كانت قوية، افقدتها توازنها، خطت بأرجل خارت قواها... شعرت بامتعاض فتح نار الحرقة التي رمت بها على الارض، نظرت الى البرقية! لابد أنه يعتذر عن المجيء... هكذا كانت هي عادته حين يلغي موعد وصوله، يرسل برقية دوما، والى آخر لحظة يرجأها ... يا لي من مجنونة!؟ لمَ اقتنعت بعودته؟ ولَمْ اتذكر عادته تلك...؟ تساؤلات كثيرة جعلتها ترمي بالبرقية على الارض، اما هي فقد ألقت بنفسها الى جانبها باكية تصرخ... عليك اللعنة بهاء، لقد قتلتني بغيابك، إن الوحدة موحشة خاصة بعد ان تزوجت هيفاء وسافرت منذ عام تقريبا، تركتني وحيدة، أتذكر حينها!؟ وعدت أنك ستلغي ارتباطاتك في الغربة كي تعود لنعيش باقي ايامنا معا!؟.. قلت لي إن دورك اتجاه ابناءك قد انتهى بعد ان اوصلتهم الى مراحل الاعتماد على النفس والاستقرار، ربما ليس كليا، هكذا قلت لي!؟ انتظرك عام واحد وحيدة ومن ثم تعود الى قربي الى الابد، لنحيا بقية حياتنا مثلما بدأنا أنا وانت فقط، كأنه عالم جديد نتذكر القديم فيه... نلتقي بكل لحظات السعادة التي عشناها، لكنك الان تخلف وعدك رغم ان اتصالك الاخير قلت فيه أنك سويت أمر معاشك وانتهيت من الارتباط، كما قلت أنك حجزت على الطائرة القادمة اليوم... الليلة، لكنك في اللحظة الاخيرة غدرت بي، فاجأتني بتأجيل موعد وصولك ببرقية، حتى إنك لم تكلف نفسك عناء الاتصال، لا أدري ماذا اسميه؟؟ حرجا.. أسفا... أم أنك لا تريد ان تسمع بكائي ولومي لك، لكن لا ... لا اريد حبك بعد الآن، لتعد متى شئت، حتى أني لا ارد على مكالمتك إذا أتصلت لتعتذر، سألغي لهفتي، مشاعري نحوك، سأجعل عقارب الساعة وبندولها يتوقفان، بل سأكسرهما حتى لا أعد الساعات او الدقائق على انتظار اتصالك بي، سأكون مجنونة بحق.. سأسلي نفسي بالخروج، سأجد وسيلة تبعدني عن التفكير بك.. سأذهب للعيش مع أحد ابنائي او بناتي... نعم سأتركك وحيدا لتشعر بمعاناتي، مسحت وجهها بيديها، رمت بالساعة الى الارض، أطفأت الشمع، كسرت الشمعدان والصحون التي اعدت على مائدة العشاء وهي تتذمر... لا أريد الحياة معك بعد الآن، سأترك المنزل في الصباح ثم قالت: لم الصباح؟! الآن... سأحزم حقيبتي ثم اترك المنزل لك الى الابد، دخلت الى غرفتها، جمعت دون وعي ثيابها التي لا تدري ودون اختيار، فتحت جارورها لتأخذ مسوغاتها، هذا هو أمامها في الصورة بابتسامته التي تعشق ينظر إليها، حتى في صورتك تهزأ مني، تسحق مشاعري بعبثك كونك تعلم إنك دنياي التي ارفل عشقا في كل لحظة، يا لي من مجنونة بحبك!!؟ فضفاضة المشاعر حين تحدثني، لكن سأشطبك من حياتي والى الابد، لم يتسنى لها ان تغيير ثوبها، إن حالتها وهستيريا الوحدة لطمت كل وعيها، مدت يدها لتقلب صورته، اطبقت حقيبتها ثم خرجت وهي تمسح وجهها بيدها، لم تنظر الى وجهها الذي اختلطت ألوانه بالمساحيق التي وضعت وثوبها الذي دون ان تشعر تلوث منها، فتحت الباب لتخرج.. إنه هو يهم بفتح الباب بالمفتاح!!! لكنه صرخ يا إلهي ما هذا!!؟؟ ما الذي حدث؟؟ اخبريني؟ ماذا جرى لك؟ هل حدث شيء لأحد الاولاد؟ لماذا تبكين؟؟؟ كان أسئلته صفعات تلقتها لتخرج من دوامة اللوم والبكاء اللذان كانا يحيطان بها... بهاء!!!! ما الذي جاء بك؟؟؟
بهاء: ماذا تعنين!!؟ ألم اتصل بك؟ لقد اخبرتك بموعد عودتي، ما هذا؟ ماذا جرى لك؟ وهطل يسال وهي تقف في عالم من الصمت لا ترى فيه سوى حركاته وانفعالاته الى أن أغمى عليها...
مرت ساعات لا تدري كم هي؟ فتحت عيناها لتجده وابنائها حولها، القلق يأكل والخوف منهم دموع حب لها، لم تسمع إلا صرخات... أمي ماذا حدث؟؟ هل انت بخير؟ هل تهجم عليك أحد اللصوص؟ لقد كان البيت مبعثرا... وانت في حال يقول والدي صعبة جدا.... لقد اتصل واخبرنا فجئنا من فوره....
كان هو الى جانبها... ماذا حدث لك حبيبتي؟ اخبريني ارجوك إن استعر نارا لأعرف؟؟
ابتسمت ... لهم جميعا وقالت: لا شيء ... لقد جن جنوني حين علمت أن والدكم قد أرجىء قدومه بعد ان وعدني بإنهاء كل ارتباطاتها، خاصة بعد ان ارسل لي برقية دون ان يكلف نفسه عناء الاتصال بي ليخبرني، اعتقدت أنه لم يملك الشجاعة ليقولها بنفسه فأرسلها، لكن حين رأيته امام الباب صدمت!!! واغمي علي.... التفتت إليه وهي تقول: إذا كنت عزمت القدوم لم إذن أرسلت البرقية؟؟
ضحك الجميع على ما قالت، خاصة بهاء الذي اخرج البرقية من جيبه وهو يقول: مجنونة انت بي أليس كذلك؟؟ قوليها لا تخجلي من الاولاد، فكلهم يعرفون أن حبك لي وجنونك بي هو سر نجاحنا ونجاحهم... إن الدفء الذي تحملين كان كافيا ليشملنا رغم برودة الايام ساعة رمي منغصاتها ككرات ثلج كبيرة لتزيحنا عن التجمع حولك ونارك الدافئة كعائلة، لذلك انا احبك واقولها دون أن اخجل من ابنائي... لأنك عالمي الذي لا ارغب العيش دون سمائه وارضه...
احمرت خجلا... ثم امسكت البرقية التى أخذت لتقرأها... لقد رزقنا الله بولد اسميناه بهاء... ابنتك هيفاء
ووسط ضحك الجميع ... احتضنت من تحب وهي تقول: سامحوني جميعا فنار الحب تحرق صاحبها اولا وأخيرا...