لعبت الدراما العربية والخليجية زمنا على وطر معالجة قضايا المجتمع والتعرض لما يمكن أن يشكل ظاهرة اجتماعية يمكن أن تكون لها تداعياتها الخطيرة والمؤثرة في المجتمع.
لكنها وهي تتطرق لعدد من القضايا والسلوكيات أخفقت في تقديم صورة مشابهة للواقع الذي نعيش فيه وتعاملت مع بعض الاستثناءات على أنها ظواهر، لاسيَّما فيما يتعلق بالفتاة والمرأة الخليجية، التي جاءت في الكثير من الأعمال بين نقيضين متباعدين، إما مسالمة راعية للأخلاق والقيم، ملتزمة ومحتشمة تكاد تقترب من الصفة الملائكية، وإما شريرة تهدر ثوابت المجتمع والدين وتضرب بالعادات والتقاليد والموروثات عرض الحائط.
والواقع يؤكد أن تلك الشخصيتين وإن تواجدتا في مجتمعاتنا فلن يكون وجودا يمثل الظاهرة الغالبة في المجتمع، لكن بين النقيضين المتباعدين شرائح كثيرة تمثل شخصيات متعددة من مستويات اجتماعية متعددة لها انفعالاتها وعواطفها الإنسانية التي تتفاعل مع الأحداث التي تمر بها في حياتها.
وعلى صعيد الملبس جاءت القصة عربية والملابس في واد منفصل عنها ولم توضح الأعمال الدرامية أن تلك المتناقضات موجودة في المجتمعات، لكنها ليست السمة الغالبة للبنات والنساء، وابتعدت عن واقع آخر للمرأة العاملة والمعيلة والفتاة المجتهدة الملتزمة..
مسخ وتشويه
الإعلامية أمل عبد الملك قالت: أعتقد أن بعض الأعمال الدرامية شوهت صورة المرأة الخليجية ولم تعطها حقها كعضو ناجح وفعال في المجتمع، فأغلب الأدوار تظهر فيها المرأة بدور المتسلطة أو المرأة اللعوب والمستهترة أو الشريرة أو غيرها من النماذج السيئة في المجتمع.
وفي الواقع هناك نماذج نسائية مشرفة في المجتمعات الخليجية ولها دور كبير في دفع عجلة التنمية وفي نهضة الدول وفي تربية الأبناء التربية الصحيحة، وهذا ما نتمنى أن يتم التركيز عليه في الأعمال القادمة والابتعاد عن السلبية وبالعكس إعطاء المرأة حقها وعكس الصورة الواقعية والحقيقية للمرأة العاملة والطموحة والتي تسعى للنجاح وتحقيق ذاتها والمحافظة على أسرتها.
فجوة كبرى
ومن جانبها قالت الإعلامية سارة عبد الله مذيعة ومعدة البرامج بإذاعة صوت الخليج: إن الدراما في الكثير من الأعمال بالغت في الموضوعات التي تناولتها لتقديمها من خلال معالجة درامية، لكن من خلال طرح مبالغ فيه،
وأضافت سارة أن المجتمع به الكثير من المشاكل ولا توجد مجتمعات خالية من المشاكل مهما بلغت بها الرفاهية، غير أن الطرح يجب أن يكون واقعيا لينتج النقد الدرامي أثره، ولا أعلم إن كانت تلك هي رؤية الكتاب أم المخرجين، أم أنها قلة خبرة وعدم وعي بدور الدراما، أم أن عملية التسويق تحتاج لهذه النوعية من الأعمال، لكن كل ما أؤكد عليه أن هناك حالة من الانفصال بين صورة المرأة في الدراما الخليجية وبين صورتها في الواقع الذي يمتلئ بالنماذج الإيجابية، التي يمكن أن تكون مجالا لعمل درامي جيد.
فخ المبالغة
ولم تتفق الإعلامية نورا حسن المذيعة السابقة بتلفزيون قطر، حيث أكدت أن الفترة الأخيرة شهدت تقديم مجموعة من الأعمال الدرامية، استطاعت أن تبرز واقع المرأة الخليجية ومشاكلها التي تعاني منها، دون أن يكون هناك تجاوز للحدود المتعارف عليها، فبعض الأعمال التي أثارت الانتقاد لم تتعمد التجاوز وإنما وقعت في فخ المبالغة فتم انتقادها بسبب التجاوز والمبالغة، والأهم من الطرح هو الرؤية التي تتم من خلالها المعالجة حتى يمكن للمشاهد أن يتقبلها ويتذكرها بعد حين، أما بعض الأعمال الأخرى فقد تميزت بالجرأة في الطرح، وغالبية المشاهدين لا يتقبلون تلك الجرأة بسبب المبالغة أيضا.
وتمنت نورا حسن أن تشهد الفترة المقبلة أعمالا تركز على واقع المجتمع وأن تخرج من عباءة الموضوعات المكررة في "الزواج والطلاق والخلافات"، وأن تكون المعالجة من خلال عمق ثقافي، وإن كنت أؤكد على أن الفنانة التي تقدم دور المرأة يقع عليها عبء تقديمها بشكل يتناسب مع الانفعالات الحقيقية بالواقع من خلال الابتعاد عن السطحية في الطرح.
مرآة الواقع
ومن جانبها قالت الكاتبة إيناس حليم إن الدراما شأنها شأن أي عمل فني لا تهتم بالإشارة إلى النماذج المجتمعية المملة دراميًا بقدر ما تسلط الضوء على النماذج التي تعاني من مشكلات حقيقية تصلح لصنع دراما، وعلى ذلك قد تقع أحيانًا في فخ المبالغة بغرض جذب المشاهد العربي عن طريق طرح المشكلات الحساسة في المجتمع والتي تُعنى في معظمها بهموم المرأة الخليجية وما تعانيه من قيود اجتماعية ظلت، لوقت طويل، سمة متعارفا عليها ومفروغا منها في المجتمع باسم العادات والتقاليد.
قد يبدو الأمر بالنسبة للبعض تشويهًا لصورة المرأة الخليجية التي خطت بالفعل خطوات لا بأس بها في التخلص من تلك القيود، وقد يبدو دعوة للتمرد أو انتقاصًا لوعيها المجتمعي.
ولكن هنالك وجهة نظر أخرى لا نستطيع التغاضي عنها وهي أن الدراما الخليجية مؤخرًا قد رفعت البُرقع عن وجه تلك القضايا بشكل حيادي أو مباشر أو وعظي - باختلاف الشكل الدرامي للحكاية- لكنها في ذلك كانت مرآة للواقع المتخم بمشكلات حقيقية، مثل: وضع المرأة المطلقة أو الأرملة أو من تعدت سن الزواج في نظر المجتمع، أو ما يقع عليها من ضغوط نفسية تحت جناح الرجل المزواج، كما أشارت بشكل واضح إلى العنف الأسري والمجتمع الذي لا نستطيع إنكار ذكوريته بشكل عام.