الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

قانون يولد من رحم معاناة المرأة اللبنانية ... منقوصاً

  • 1/2
  • 2/2

مرّت سبع سنوات منذ اقترحت جمعية «كفى» (كفى عنف واستغلال) للمرة الأولى التشريع لوضع عقوبات للعنف الأسري وحماية المرأة منه. سبع سنوات شهدت جدالات كثيرة ساخنة ونقاشات ذات نبرة عالية بين الناشطين المدنيين وممثّلي الشعب في المجلس النيابي اللبناني ورجال الدين من مختلف الطوائف. سبع سنوات شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في معدّلات العنف الأسري، إلى حدّ أنّه باتت هناك إمرأة تُقتل في منزلها الزوجي كلّ شهر، وهذا ما أيقظ الشارع اللبناني لدعم مشروع القانون الذي أطلقته «كفى». إلا أنّ نبض الشارع لم يكن كافياً وحده لإقرار قانون يحمي المرأة في شكل كامل، ويؤمّن لها ولأطفالها الحقوق الأساسية لحمايتهم من العنف الذي يمكن أن يُمارَس عليهم. ففي كواليس السياسة، كان النوّاب هم أيضاً يجدون أنفسهم يتأثرون بمواقف صدرت عن مراجع دينية رافضة لمثل هذا القانون. لذا، فإنّ الدخان الأبيض لم يتصاعد من المجلس النيابي الأسبوع الماضي كما كان ينتظر آلاف اللبنانيين، بل كان دخان فيه كثير من النفس الطائفي، ما حجّمه على صعيد إقرار مواد أساسية لحماية المرأة تحديداً.
قانون مبتور
تبدأ المشكلة في عنوان القانون، أي «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، باعتبار أنّ مثل هذا العنوان عمومي ولا يخصّص المرأة التي تُعتبر العنصر الأضعف في الأسرة. فكما تشرح المنسّقة الإعلامية في «كفى» مايا العمّار، أنّ الفكرة الرئيسة الكامنة وراء هذا القانون هي تخصيص المرأة المعنّفة وإزالة العوائق من أمامها لاتخاذ إجراءات الحماية التي تنقذ حياتها. أمّا شمول سائر أفراد الأسرة، فالمُراد منه تعميم القانون لتقليص الفائدة العائدة للمرأة نفسها. وبالتالي، فإنّ القانون الذي أقرّ «لا يصيب الهدف» وفق العمّار، خصوصاً أنّه تخلّى عن مواد قانونية مهمّة جداً مثل تجريم الاغتصاب الزوجي في شكل واضح، إذ أبقى على مفهوم «الحقّ الزوجي» في العلاقة الجنسية بما يتناسب مع رأي رجال الدين، ولم يحرّم فعل الإكراه نفسه. كما هناك مسألة عالقة وفق العمّار، وهي أنّ القانون الجديد لا يحمي الضحّية مع أبنائها بغضّ النظر عن سنّ الحضانة، بل تمّ تقييد إجراءات حماية المرأة المعنّفة مع أطفالها بسنّ الحضانة الخاضع لقوانين الأحوال الشخصية لـ١٨ طائفة في لبنان.
إضافة إلى ذلك كله، فإنّ مشروع القانون المُحال من مجلس الوزراء وفق توصيات «كفى» كان ينصّ على أن يقدّم طلب الحماية إلى النيابة العامة، باعتبار أنّ النساء كنّ يلجأن إليها لحظة وقوع العنف أو إلى المخافر. أمّا القانون كما أقرّ، فهو يحصر الصلاحية بقاضي العجلة أو قاضي التحقيق الواضع يده على الدعوى، ما يضع النساء تحت أعباء مالية بسبب تكاليف الشكوى والحاجة إلى توكيل محامٍ. كما أنّ قاضي العجلة لا يكون موجوداً بعد الدوام الرسمي أو أيام العطل والأعياد، ما يعني أنّ جريمة التعنيف يمكن أن تقع من دون أن تستطيع المرأة تحريك ساكن.
المطالبة مستمرة... بصعوبة
منظّمة «كفى» أكدت أنّ الحملة مستمرة لإقرار التعديلات ليصبح القانون حامياً حقيقياً للمرأة. لكنّ منسّقة تيار الناشطات اللبنانيات المستقلات رويدا مروة ترى أنّ الموضوع أصبح صعباً أكثر، لأنّ الضغط الشعبي كان كلّه ينصبّ على إقرار القانون، والآن هناك حاجة الى ضغط كبير مجدداً لإقرار التعديلات في وقت يعيش فيه لبنان تحدّيات كثيرة، وهناك استحقاقات قادمة. ولم تتفاجئ مروة بإقرار القانون كما هو من دون تعديلات منظّمة «كفى»، لأنّ هذا هو المشروع الذي وصل إلى الهيئة العامة بعد تعديله من اللجنة النيابية، وبالتالي لم يكن ممكناً تغيير أي أمر جوهري خلال جلسة مجلس النوّاب.
وتلفت مروة إلى أنّ الدولة استطاعت تنفيس غضب الشارع بإقرار القانون بعد سلسلة الجرائم التي وقعت ضدّ النساء، والنوّاب أزالوا الثقل عنهم على رغم أنّهم لم يلتزموا بالتعديلات الضرورية والأساسية في ما يخصّ قضايا الاغتصاب الزوجي، وحماية الأطفال من دون تمييز وإجراءات الحماية.
وما تشير إليه منسّقة تيار الناشطات اللبنانيات المستقلات أنّ النوّاب تعاملوا مع هذا القانون من منطق ذكوري بامتياز، كما رأوا أنّه يخص مجموعات نسائية ضاغطة لا أكثر. فيما كان يجب أن يتعاملوا معه بمنطق حقوقي وأمني. وتعتبر أنّ هناك ضرورة لخطّة وطنية لوقف العنف الأسري ضدّ المرأة عبر التعاون بين الوزارات المعنية واللجنة الوطنية لحقوق المرأة والجمعيات الضالعة في هذا الشأن كي يخشى المعنّف حقّاً من التدابير المتخذة ويرتدع عن الفعل الإجرامي. كما تحذّر من تحويل قضايا العنف ضدّ المرأة إلى قصص تُثار حولها إشاعات تمسّ بشرف المرأة المتوفية، لأنّ الانسياق وراء هذه الإشاعات يؤذي القضية الوطنية ويضعفها.
مواقف مؤيدة
في مقابل المواقف المعترضة على صوغ قانون العنف الأسري وإلغاء مواد مهمّة منه، كان لافتاً موقف منظّمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، إذ إنّها وصفت إقرار القانون بـ «التاريخي» بالنسبة إلى لبنان و «خطوة إيجابية الى الأمام». لكنّ المنظّمة أشارت إلى ضرورة تطوير القانون في المستقبل، مع الإشادة بالخطوة التي قام بها المجلس النيابي.
ويأتي موقف النائب غسّان مخيبر لينسجم مع ما أشارت اليه المنظّمة الدولية، إذ يعتبر أنّ القانون يشكّل تقدّماً على صعيد حماية المرأة على رغم أنّه ليس مثالياً، لكن بات هناك قانون يؤمّن حماية فعّالة للمرأة في حال تعرّضها للعنف. وكذلك رحّبت النائب ستريدا جعجع بإقرار القانون الذي يمثّل انتصاراً للمرأة اللبنانية، مع إشارتها إلى أنّ الإنجاز غير مكتمل لأنّ هناك نقطتين يجب تعديلهما وهما: حصر عنوان القانون بتعنيف المرأة، والمادة المرتبطة باغتصاب الزوج للزوجة. وضمن السياق عينه، رأى النائب سيمون أبي رميا أنّ القانون يشكّل نقلة نوعية وأساسية للمجتمع اللبناني، لكن كان يحتاج إلى تعديل وهذا ما لم تأخذه الهيئة العامة مجتمعة في الاعتبار.
هكذا يكون قانون التعنيف الأسري أصبح واقعاً، والعبرة في التطبيق أولاً وفي إدخال التعديلات الأساسية التي وافق عليها ٧١ نائباً ضمن عريضة وقّعوا عليها، لكنّها سقطت في اللحظة الأخيرة بعدما أقرّ القانون خلال دقيقتين فقط!

الحياة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى