الارشيف / تربية و علم نفس

نصائح عملية للآباء و الأمهات في تربية الأطفال تربية سليمة تحميهم من الإنحراف و الإصابة بالمشكلات النفسية

يبذل الآباء و الأمهات جهداً كبيراً، بل و يفنون حياتهم في سبيل تربية أطفالهم تربية حسنة، فـتربية الأبناء هي أصعب و أنبل مهنة في الوجود.

و كثيراً ما يسأل الآباء و الأمهات المختصين عن الطريقة أو الأسلوب الأمثل في تربية الأبناء، و ذلك بهدف إخراج طفل سليم نفسياً و ناجح و لبنة مفيدة في بناء المجتمع. و الحقيقة إن الإجابة على مثل هذا السؤال هو علم كامل بحد ذاته، بل هو عدة علوم معاً، فحتى يُجيب الأخصائي على مثل هذا السؤال و الأسئلة المرتبطة به إجابة دقيقة، لا بُدّ و أن يكون ملمّاً بعلم النفس، و النمو، و الصحة النفسية، و التنشئة الاجتماعية، و علم أسباب الاضطرابات.

 

و أحياناً ما يسال الآباء و الأمهات الأخصائيين أسئلة تتعلّق بسلوكيات و مشكلات لدى الأطفال، مثل أن طفلي ما زال يبلل الفراش، أو أن طفلي ما زال يمص الإصبع أو يسرق أو يكذب أو ابني يدخّن...

و لا شكّ أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة بحاجة إلى معرفة معلومات أخرى كثيرة، مثل : عمر الطفل، شدة هذه المشكلة، تكرارها في اليوم أو الأسبوع، الوضع النفسي في الأسرة، و معلومات عن الحمل و الولادة. و كثيراً ما يحتاج إلى إحضار الطفل إلى العيادة لتقييمه نفسياً و لتقديم العلاج النفسي المناسب له.

فما أكثر المخاطر التي تحيط بتنشئة الطفل و ما أكثر المثيرات الخارجية التي تؤثر و تشارك الوالدين في تربية طفلهم، مثل البرامج التي يشاهدها الطفل على التلفاز، و سلوك المعلم في المدرسة، و سلوك الرفاق أو الأصدقاء الذين يصاحبهم الطفل، و سلوك سائق الحافلة المدرسية و طبيعة البيئة التي يعيش فيها الطفل...

 

 

و نسعى في هذه المقالة إلى تقديم بعض النصائح العملية التي قد تساعد و تُعين الوالدين في تربية طفلهما تربية حسنة تقيه من الإنحراف و الإصابة بالاضطرابات النفسية، و من هذه النصائح ما يلي :

 

1- توفير البيئة الصحية الآمنة للطفل ابتدءاً من مرحلة الحمل، و ذلك من خلال توفير الغذاء المتوازن للأم الحامل و إبعادها عن المشكلات و الضغوط النفسية، و إبعادها عن التدخين و شرب الكحول، و عدم تناولها الأدوية إلا بعد استشارة الطبيب. فقد وجدت الدراسات أن هناك تأثيرا لبيئة الحمل على الجنين، فالكثير من المشكلات النفسية التي قد يعاني منها الطفل قد يرجع سببها إلى فترة الحمل مثل صعوبات التعلم.

 

2- الاجتهاد في أن تكون بيئة الطفل الصغيرة ( الأسرة ) و هي الأكثر تأثيراً في بناء شخصية الطفل، فبعض علماء النفس يعتقدون بأنّ شخصية الطفل تتشكّل خلال الخمسة سنوات الأولى من العمر ( بيئة سعيدة و آمنة و داعمة للطفل )، فعندما تكون العلاقة إيجابية و حميمية و تتصف بالحب و الاحترام المتبادل بين الوالدين فإن ذلك ينعكس بصورة إيجابية على نفسية الطفل و سلوكه، فيبدو الطفل أكثر تفاؤلاً، و أكثر سعادة، و أكثر ثقة في نفسه، و أكثر شعوراً بالأمن، و العكس صحيح تماماً، فالخلافات و عدم التوافق بين الأب و الأم ينعكس سلبياً على نفسية الطفل و على تحصيله الأكاديمي. فلا بد للوالدين من العمل على تحسين نوعية العلاقة بينهما، و إذا كانت هناك خلافات بينهما لا بُدّ لهما من حلِّها بعيداً عن نظر و مسمع الطفل، و عدم بث الأم أو الأب شكواهما إلى الطفل لكسبه في جانب أحدهما، لأن هذا من شأنه أن يخلق صراعاً نفسياً لدى الطفل، صراع بين حُبِّه لأمه و حُبِّه لأبيه.

 

3- عدم التمييز بن الأطفال لأسباب تتعلّق بالجنس أو التحصيل الأكاديمي أو الذكاء أو الطاعة أو المقارنة بين الطفل و إخوته بهدف تحفيز الطفل على تغيير سلوكه، لأن هذا من شأنه أن ينمّي مشاعر الكره و الحقد عند الطفل تجاه أخيه، و يكبر هذا الكره مع تقدُّمه في العمر، و لنا في قصة سيدنا يوسف عبرة كبيرة. فعندما لا يكون هناك تمييز بين أطفال الأسرة الواحدة فإن هذا ينمّي مشاعر الحب و الاحترام و الأخوّة بين أفراد الأسرة، مما يؤدّي إلى دعمهم و مساعدتهم لبعضهم البعض في المستقبل، فكثيراً ما نسمع عن سلوكيات بسيطة لا يلقي لها الأم أو الأب بالاً، إلا أن لها تأثير سلبي كبير على نفسية الطفل مثلاً : قيام أحد الوالدين باصطحاب أحد أطفالهم دائماً معه و استثناء الآخرين، فمثل هذه السلوكيات من شأنها أن تنمّي مشاعر الكره و الحقد و الحسد نحو هذا الطفل، كما تدفع الطفل الذي يحظى بالامتياز و التفضيل على إخوته بالتكبُّر و الشعور بالثقة الزائدة بنفسه.

 

 

4- عندما نقوم بعقاب الطفل لسلوك قام به ( ليس المقصود هنا العقاب الجسدي ) نحرص على أن نوضّح للطفل بأن هذا العقاب موجّه للسلوك الذي قمت به، و لكننا نحبك. فكثير من الأطفال يعتقد عندما يعاقب من قبل الوالدين بأنه أصبح غير محبوب من قبل الوالدين، و قد يشعر بالحزن الشديد و القلق.

 

5- عدم الإكثار من نقد الطفل و لومه، فهذا من شأنه أن يقلل من ثقة الطفل في نفسه، و قد يؤدّي إلى زيادة الخجل لديه، و يقلل أيضاً من طاعة الطفل لوالديه.

 

6- اللعب مع الطفل مدة من الوقت كل يوم، أو قراءة قصة له، و قد يشترك جميع أفراد الأسرة في هذا اللعب، أو الاستماع للقصة فهذا من شأنه أن يقوّي الترابط و التلاحم و الحب بين أفراد الأسرة، و يُزيد من طاعة الأطفال لوالديهم.

 

7- أن يكون الآباء و الأمهات قدوة لأطفالهم في السلوك الحسن، و في التفاؤل، و في الالتزام بأداء العبادات في وقتها، و في النشاط، و أداء العمل، فالطفل يقلّد سلوك والديه.

 

8- التركيز على السلوكيات الإيجابية، و نقاط القوة، و الإنجازات لدى الطفل و التقليل قدر الإمكان من التركيز على نقاط الضعف، و الإخفاقات، و السلوكيات السلبية، أي أن نكون إيجابيين أكثر من أن نكون سلبيين في النظر و التفاعل مع الطفل، فكثير من الآباء لا ينتبهون للطفل أو المراهق إلا عندما يقوم بسلوك سلبي، كأن يهمل أداء فروضه المدرسية أو عندما يبدأ في التدخين.. فكم مرّت أيام و شهور و سنوات على تفوّق الطفل و اهتمامه بدروسه و لم يكافئه أحد، و لا شكّ أن الانتباه إلى السلبيات عند الطفل و إهمال الإيجابيات من شأنه أن يقلل من ثقة الطفل في نفسه، و قد يؤدّي إلى قيام الطفل بتكرار هذا السلوك عدداً من المرات ظناً منه أن هذا هو السلوك الوحيد لجلب انتباه و اهتمام الوالدين. في حين أن التركيز على الجوانب الايجابية من شأنه أن يرفع من ثقة الطفل و المراهق في نفسه، و يزيد من احتمال تكرار هذا السلوك ( الإيجابي ) لأنه دائم التعزيز و الانتباه من قبل الوالدين.

 

 

9- تعليم الطفل تحمُّل بعض المسؤولية و أن تزيد هذه المسؤولية كلما زاد عمر الطفل. و من المسؤوليات التي قد نكلّف الطفل بها : مسؤولية تحمُّل عبء ترتيب غرفته، و رفع الأطباق عن المائدة بعد الانتهاء من تناول الطعام، و تنظيف الحديقة، و دفع فواتير الكهرباء و الذهاب إلى التسوّق..

 

10- وضع أنظمة و قوانين للبيت و توضيحها للأطفال، و لا بُدّ من وضعها في مكان واضح في البيت حتى يقرأها الأطفال مثل :  خلع الحذاء قبل الدخول إلى المنزل، و عدم الخروج من المنزل بعد الساعة التاسعة أو العاشرة، عدم رفع صوت التلفاز أكثر من المستوى المحدّد، عدم الكتابة على الجدران.. فهذا من شأنه أن يعوّد الطفل على الالتزام بالقوانين و يقلل من السلوكيات السلبية عنده.

 

11- جدولة وقت الطفل و تعويده على الالتزام بالوقت، فمثلاً يُقسّم وقت الطفل إلى عدّة أجزاء، فهناك وقت للدراسة و وقت لمشاهدة التلفاز و وقت للعب، و وقت للنوم، فلا يجوز للطفل أو المراهق مشاهدة التلفاز قبل الوقت المحدّد للدراسة. و قد يجيب الطفل بأنه أنهى الدراسة قبل انتهاء الوقت المخصص لها و أنه يرغب في مشاهدة التلفاز، هنا يرفض الوالدان و يحثّان الطفل على متابعة الدراسة أو المطالعة إلى انتهاء وقت الدراسة.


12- عدم تدليل الطفل و إشباع جميع رغباته بشكلٍ زائد، فالأطفال المدللون لا يطوّرون القدرة على تحمُّل الإحباط و المسؤولية في الحياة و يكونوا أكثر أنانية في الحياة.

 

13- تشجيع الطفل على التعبير عن عواطفه و انفعالاته، فهذا من شأنه أن يحد من الشعور بالقلق، و يحد من كبت الطفل لمشاعره، و يمكن للأهل أن يجلسوا معاً لفترة من الوقت كل يوم يتحدّث كل فرد فيها عن الأشياء الإيجابية و الأشياء السلبية التي حدثت معه أثناء فترة النهار، و عن مشاعره نحو هذه الأشياء، فهذا يساعد على تقوية الرابطة الأسرية و الحب بين أفراد الأسرة.

 

14- تجنُّب إطلاق الصفات أو الأحكام السلبية على الطفل، مثل : خالد خجول أو غير نشيط، فهذا من شأنه أن يدفع الطفل إلى التصرُّف وفقاً لهذا الوصف، و قد يؤدّي إلى تدنّي ثقة الطفل بنفسه، و هو ما يُطلق عليه في علم النفس ( النبوءة المحققة لذاتها ) أي أن تنبؤات الأهل عن سلوك الطفل و مستقبله يدفع الطفل إلى تصديق هذا التنبؤ أو الوصف و التصرُّف بناءاً على ذلك سواء أكان هذا الوصف أو التنبؤ إيجابياً أو سلبياً.

 

 

15- عندما يدخل طفلي في مرحلة المراهقة ( من الثالثة عشر ) أحاول أن أعطيه بعض الحرية و لكنها حرية مسؤولة، كما أعطيه بعض الامتيازات الجديدة، و لا بُدّ أن أُغيّر طريقة حديثي معه لتصبح أقرب إلى حديث الصديق لصديقه أكثر من أنها حديث الأب لابنه، و أن أحاول أن أستشيره في بعض أمور و مشاكل البيت البسيطة، فهذا يعطيه شعوراً بالأهمية و الرجولة، و هذا ما يبحث عنه المراهق في فترة المراهقة. ففي هذه الحالة قد يكون الوالدين قد نجحا في الحدِّ بشكلٍ كبير من السلوكيات السلبية التي قد يقوم بها ابنهما المراهق.

و الله ولي التوفيق..

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى