العقل البشري يعمل بطريقة جداً معقدة، فـأحياناً يرفع الحجج العقلية إلى مرتبة المقدّس، و أحياناً يهوي بها لتحتل العاطفة محل البراهين العلمية.
و لإقناع الناس يجب الإلمام بطرق اشتغال العقل، باختصار: امتلاك قدرات البرهنة العلمية غير كافية للإقناع.
قمنا ببحث في “ مهارات الإقناع ” و جمعنا تكتيكات يدعمها العلم الحديث. إليك طريقة كسب قلوب الناس و ليس عقولهم فقط :
* كن متحضِّراً
عكس ما يقوله مدرّبو التنمية البشرية و المتخصصون في التدريب على تقنيات الإقناع، فالحجج ليست دائماً منطقية.
إذن احترم وجهة نظر الشخص الآخر، مهما بدت لك سخيفة و لا تستحق إلا السخرية.
“ الشخص الذي يتمتّع بقدرٍ عال من الثقة في النفس يكون أكثر تقبلاً للمعلومات التي تتحدى معتقداته ” يقول عالم النفس السياسي " بيتر ديتو " من جامعة كاليفورنيا لـمجلة نيويورك.
إذا استطاع الإنسان مد جسور عاطفية مع المتلقّي يمكن ساعتها الانتقال إلى البرهان العلمي القائم على المنطق.
* لا تتسرّع في إفحام الخصم
مهاجمة وجهة نظر الخصم لا تفيد، بل تحوّل النقاش إلى شجارٍ يلف في دائرة من الصراخ و الصراخ المضاد، و الذي يصرخ أكثر لا يكسب عقول و قلوب الناس.
المحاور الجيد يتبنّى “ صورياً ” آراء الخصم، و يوسِّعها ثم يدفعها إلى حتفها الأخير. فـبالاعتماد على الأمثلة يمكن إظهار تفاهة فكرة الخصم.
* لا تسأل لماذا.. اسأل كيف
في دراسة لجامعة كولورادو، قام عالم النفس الأميركي " فيليب فيرنباخ " بتقسيم أشخاص يحملون وجهات نظر سياسية متطرِّفة إلى مجموعتين : مجموعة كان عليها أن تشرح لماذا تعتبر وجهة نظرها صحيحة و تتعصّب لها، و مجموعة أخرى كلّفها بالإجابة عن : كيف يمكن تطبيق وجهة نظرها على أرض الواقع.
لا تسأل لماذا.. اسأل كيف ؟
النتيجة ؟
أولئك الذين قدّموا أسباب امتلاكهم لقناعات سياسية متطرِّفة ( المجموعة الأولى ) بقوا على قناعتهم. بينما اضطر الذين شرحوا آليات تطبيق وجهة نظرهم ( المجموعة الثانية ) إلى اتخاذ مواقف أكثر ليونة و أقل تعصُّباً.
إذن اسأل خصمك دائماً : كيف ستفعل هذا ؟
لا تمل..
" إد كاتمول " مدير شركة بيكسار Pixar عرف مؤسس شركة آبل العالمية " ستيف جوبز " لمدة 26 عاماً. و لقد دخلا مراراً في جدالات، حاول " كاتمول " تفادي الاصطدام مع " جوبز "، لكن بدلاً من ذلك وظّف وسيلة التكرار و الإصرار في تعامله مع " ستيف جوبز " :
“ كنت أقترح عليه شيئاً فيرفضه على الفور، لأنه يفكّر أسرع مني. انتظر أسبوعاً، اتصل به و أحاول تفنيد حجته و أُظهر له سبب تمسُّكي بالفكرة. و أحياناً يمتد هذا الشد و الجذب لأشهر ”.
كان هذا ينتهي بـثلاثة أشياء : إما يقتنع " سيتف جوبز " باقتراح " إد كاتمول "، أو ينتهي هذا الأخير بأن فكرته لا تصلح، أو يتفادى " جوبز " الرد و يكون ذلك بمثابة الموافقة.
* اطرح أسئلة مفتوحة
“ إذا كنت في شجار مع زوجتك ”، يقول عالم نفس الأزواج " جون غوتمان "، “فيجب أن تعلم أن المشاحنات بين المتزوجين تنفرج بسرعة إذا سأل أحدهما الآخر سؤالاً مفتوحاً ”. و يكون غرض السؤال هو ( دفن ) ما حدث، و فتح صفحة جديدة.
و هذه الاستراتيجية جيدة في أماكن العمل أيضاً، إذ أنها تحوّل العمل من مكان للمنافسة إلى فضاء للتعاون.
الخلاصة : إذا فشلت في إقناع الخصم بالحجة و البرهان، افهمه و اقترب منه أكثر.
* كن واثقاً من نفسك
يقول الفيلسوف الأميركي " وليام جيمس " : “ إذا لم تثق بنفسك، فمن ذا الذي سيثق بك ”.
العبارة قديمة، لكن وجدت دراسة أميركية في عام 2013 أن “ الناس لا تنصت للأذكياء، بل للذين يؤمنون بما يقولون و لديهم يقين بأنهم على حق ”.
يقول " بريان بونر " أستاذ بجامعة يوتا للتدبير إن “ الناس لا تلتفت إلى ما يقال في الواقع. إنهم ينظرون إلى مستوى الثقة لدى المتكلِّم و مدى انبساطه ”.
و يضيف “ كنا نأمل أن تكون الحقائق هي العملة الوحيدة للتأثير و الاقناع، لكنها ليست كذلك ”.
* استخدم الرسوم البيانية
أظهرت دراسة جديدة أعدّها الباحثان " أنر تيل " و " براين وانسينك " لجامعة كورنيل أن معظم الناس تثق بالعلماء و الخبراء. و بالتالي، فاعتماد آليات علمية و دقيقة تجعل طروحات الشخص جديرة بالثقة إذا توافرت عناصر أخرى، منها خاصة : الثقة بالنفس.
يقول معدا الدراسة إن “ هيبة العلم تمنح الشخص القدرة على الإقناع، حتى و إن استعمل أشياء علمية تافهة كالرسوم البيانية ”.
* استند إلى البرهان الاجتماعي
في كتابه ( التأثير : علم نفس الإقناع ) يقول " روبرت سيالديني " إن “ البرهان و الحجة الاجتماعية واحدة من التقنيات التي تدفع الناس لتقاسم وجهة نظرك ”.
و حسب " سيالديني "، فالناس تعتقد أن التصرفات و القناعات الصحيحة هي القناعات التي تشاطرها الجماعة أو أشخاص يتمتّعون بالتأثير داخل المجتمع.
و إذا استطعت أن تقنع المتلقّي بأن فكرتك تحظى بسند جماهيري أو من طرف شخصيات مشهورة و ذات حظوة، تكون قدرتك على استمالته ( المتلقي ) سهلة.
أ.ف.ب