الإنسان معرَّضٌ للإصابة بإضطرابات نفسية عدّة. بعضها يتطلّب متابعة من معالج نفسي يساعد المريض في الشفاء. وهنا نفصل بين الإضطرابات وبين الأمراض النفسية التي تحتاج إلى الإستشفاء مع المتابعة الطبية النفسية والأدوية. من الاضطرابات النفسية، "العصاب القهري" (OCD). فما هو هذا الإضطراب؟ كيف ينشأ؟ وما هي طرق معالجته؟ هناك أنواع عدّة من الإضطرابات، منها إضطراب الوسواس القهري العصابي الذي يطلق عليه بالإنكليزية: OCD أي Obsessive Compulsive Disorder. في هذه الحالة يكون المريض واعياً لإضطرابه ومشكلاته وأفكاره، علماً أنّ الإضطرابات العصبية على أنواعها تعرقل الحياة الإجتماعية والأكاديمية والمهنية للمريض، خصوصاً أنّ أعراضها تتكرّر وتتواتر.
ما هو اضطرابُ الوسواس القهري العصابي؟
هو إضطراب نفسي يتجلّى من خلال هواجس وأفكار ومشاعر تستحوذ عقلَ الإنسان. فهو نوع من "إيمان" بفكرة معيّنة تلازمه طوال الوقت وتحتلّ جزءاً من وعيه بشكل مستمرّ ومتكرّر. يشعر المصاب بسخافة تفكيره لكنه لا يتمكّن من التغلّب عليه أو التخلّص منه.
مثلاً: فكرة إتساخ اليدين التي تراود شخصاً على رغم نظافتهما. هذا الشعور يدفعه إلى غسلهما كلّ 5 أو 10 دقائق وهو مدرك بأنْ لا حاجة لذلك. هذا مثلٌ عن فكرة قهرية لا يستطيع الشخص إزالتها أو التوقّف عنها، فتلاحقه طوال الوقت وتصيبه بالإرهاق النفسي وبالتعب الجسدي.
تظهر هذه الحالة عادةً في عمر المراهقة ويمكن أن تمتدّ لعمر الرشد. وتُعتبر الفئات العمرية ما دون الـ 30 سنة أكثر مَن يعاني منها. ولكن لِما يكرّر الشخص المُصاب بهذا الإضطراب أفعاله؟
الإضطراب من المنظار النفسي
عملت دراسات عدّة على تحديد أسباب هذه الاضطرابات بهدف معالجتها. وكشفت أنّ المُصاب يكرّر أفعاله لمنع أو للتقليل من ضائقة نفسية ما أو من شعور بالقلق.
ويمكن تحديد إضطراب الوسواس القهري كالتالي:
• يعاني المريض إما من وساوس وأفكار تتكرّر طوال الوقت في ذهنه دون انقطاع، أو من أفعال قهرية تجبره على تكرير بعض الأفعال بلا سبب واضح.
• لا يدرك المضطرب سببَ الوسواس الذي يتكرّر في ذهنه، ما يدفعه إلى الشعور بالقلق والعصبية. فهو لا يفهم لما يتحقّق من قارورة الغاز كلّ 5 دقائق مثلاً على رغم معرفته بعدم وجود مشكلة في القارورة.
• يكون الشخص المصاب بهذه الحالة واعياً كلّ الوعي، فهو يدرك بأنّ إندفاعه هو من نتاج عقله وليس مفروضاً من الخارج. ويحاول عادة تجاهل أفكاره الوسواسية ولكن من دون جدوى، فالفكرة أو الصورة الذهنية تتكرّر في ذهنه.
• أمّا بالنسبة للأفعال القهرية فيمكن تحديدها بالسلوكيات المتكرّرة، مثل غسل اليدين وإستعمال الصابون والكثير من الأدوات للنظافة، والترتيب بكلّ أشكاله والتحقّق من بعض الأدوات المنزلية أو من الكهرباء بطريقة متكرّرة طوال الوقت وصولاً إلى الشعور بالإرهاق،... أمّا بالنسبة للأفعال العقلية فتظهر بتكرار الكلمات أو العدّ من دون إنقطاع وصولاً إلى الكتابة من دون توقف... فمثلاً يحاول المريض التأكد من إغلاق الأبواب والأقفال والمواقد ويقوم بعمليات الحساب بشكلٍ مستمرّ "في السرّ" أو بشكلٍ علني أثناء القيام بالأعمال الروتينية.
وتسبّب الوساوس والأفعال القهرية إجمالاً مضيعة للوقت بسبب تكرار المريض يوميّاً أفعاله الوسواسية.
ما هي الشخصية الوسواسية؟
لا تُعتبر الشخصية الوسواسية شخصية مريضة، ولكنها تتمتّع بصفات خاصة. فهؤلاء الأشخاص يتميّزون بشخصية صلبة وعنيدة، ولا ترضيهم أعمالهم وإنجازاتهم إجمالاً حتّى لو أتمّوها على أكمل وجه.
فهم يركّزون دائماً على التفاصيل وينشغلون بالترتيب والتنظيم... وهم يعانون من عدم القدرة على تحقيق آمالهم وطموحاتهم، فيشعرون بالدونية بسبب ذلك. ويظهر عندهم العجز في إنهاء المشاريع بسبب عدم توفّر المعايير الدقيقة التي يطلبونها لذلك.
ويشعر هؤلاء بقلق دائم، وخوف لا مبرّر له، مع صعوبات في إتخاذ القرارت. ويصعب عليهم إبداء رأيهم في أيّ مسألة إذا طُلب منهم ذلك. كما يعجز الأشخاص ذوو الشخصية الوسواسية عن التخلّي عن أشياء بالية حتى وإن لم تكن تحمل قيمة عاطفية.
أسباب اضطراب الوسواس القهري
لم تثبت أيّ نظرية وجود سبب معيّن وراء هذه الحالة. ولكن تشير إحدى النظريات إلى دور أساس للعامل الوراثي، في حين تدحض نظريات أخرى هذا الاحتمال وتؤكّد أنّ الوسواس القهري والأفعال القهرية مرتبطان بطفولة المريض وبكيفية التعامل معه في إطار نظافته.
العلاج
تُستخدم الأدوية لعلاج حالات إضطراب الوسواس القهري. ويُنصح بالعلاج النفسي للتقليل من الضغوط النفسية والقلق لحلّ الصراعات الداخلية للشخص.
ومن بين العلاجات النفسية الكثيرة، برهن العلاج السلوكي فعاليته في علاج هذا الإضطراب من خلال تعريض المريض مرّات عدة للمواقف التي تثير قلقه، وتلقينه مقاومة إضطراباته النفسية.