يشتكي الأهالي من أطفالهم الكثيري الحركة، ويُعبّرون عن عدم تمكّنهم من السيطرة على نشاطهم الزائد. طبعاً لا يمكن الطلب من طفل أن يبقى هادئاً وأن لا يلعب، ففي ذلك بعض المبالغة من قبَل الأبوَين، لأنّ اللعِب وسيلة يكتشف من خلالها الطفل محيطَه. ولكن هناك بعض الأطفال الذين لا يتوقّف نشاطهم، أي لا يتعبون ولا يستطيعون الجلوس ليرتاحوا، ما يؤثّر على تحصيلهم العِلمي. هذا ما نسمّيه الاضطرابات السلوكية وفرط الحركة ADHD. فهل فرطُ الحركة عند الأطفال اضطراب يجب أن نَقلق منه؟
ركّزَت كثير من الدراسات النفسية المعاصرة على فرط الحركة عند الأطفال وتأثيراته النفسية والدراسية والاجتماعية. ولا شكّ في أن ليس الطفل وحده من يتأثّر بوضعه غير المستقرّ، بل يَشعر الأهل بالقلق والخوف على مصير ولدهم الذي يعاني من فرط الحركة.
* ما هي الحركة المفرطة عند الأطفال؟
فرطُ الحركة هو خَلل عصبي ونفسي يؤثّر على سلوك الطفل ويسبّب له مشاكل على الصعيد الدراسي بسبب ضعف القدرة على التركيز، ونقص أو تشتّت الانتباه وعدم ملاحظة التفاصيل، وكثرة النسيان. ويعاني هؤلاء الأطفال من عدم القدرة على البقاء في مكان واحد، أو اللعب بهدوء، إذ يتميّز لعبُهم بالصراخ والضجيج والعنف وكثرة الركض والتسلّق.
كما نجد بعض الفوضوية في سلوكهم، من خلال تجنّب الواجبات المدرسية، وعدم القدرة على اتّباع التعليمات وإنهاء ما بدأوه، وقلّة الصبر، والتسرّع في الإجابة أو مقاطعة الآخرين. كلُّ ذلك يساعد في تشخيص هذه الحالة التي تستوجب تدخّلاً سريعاً من قبَل الطبيب النفسي أو طبيب الأعصاب مع المعالج النفسي.
* ما هي الأسباب الأساسية؟
ركّزَت الدراسات العِلمية على معرفة السبب الرئيس وراءَ ظهور هذا الاضطراب السلوكي، وحدّدت الأسباب التالية:
- سوء النوم وعدم انتظامه الذي يؤدّي إلى زيادة في الحركة عند الطفل، فيَجعلُ الإرهاقُ الزائدُ الطفلَ عدوانياً، وتَظهر في سلوكه نوباتٌ من الغضَب والاستنفار، وبالتالي علامات فرطِ الحركة.
- مشاهدة الطفل للكثير من الرسوم المتحركة و"الكرتون" التي تتّصِف بالعدوانية والألوان القوية، ما يساعد في جعله كثيرَ الحركة. وتَمنع مشاهدة التلفاز لساعات طويلة الطفلَ مِن تفريغ طاقاته من خلال اللعب وممارسة الرياضة، وتسَبّب السمنة الزائدة. لذا يجب على الأهل أن يخصّصوا للطفل ساعةً واحدة فقط في النهار لمشاهدة البرامج، خصوصاً إنْ كان يعاني فرطَ النشاط.
- يلعب الأهل دوراً بارزاً في ظهور الفرط الحركي عند أطفالهم. وأظهرت الدراسات النفسية أنّ تعرّضَ الأطفال لمواقف فيها ضغطٌ عصبي كبير، يَجعل من الطفل أكثرَ ميلاً للحركة الزائدة والنشاط المفرط.
- بعض المواد الغذائية كالسكّر، يؤثّر بطريقة غير مباشرة على سلوك الأطفال. فاستهلاك الطفل للسكّر بكمّيات كبيرة يَشحنه بطاقة قد تفوق حاجتَه، ما يَدفعه لا إرادياً إلى ممارسة نشاط زائد. إلى ذلك، تؤثّر الألوان الصناعية والمواد الحافظة والكافيين وغيرها على تصرّفات الطفل وتَزيده نشاطاً.
* نصائح عملية للأهل
بعدما يتأكّد الأهل من أنْ ليس هناك سبب فيزيولوجي يؤثّر على تصرّفات طفلِهم وعلى فرط حركته، يمكن أن يتّبعوا هذه النصائح:
- عدم إرغام الطفل على فعل شيءٍ لا يريد القيام به.
- تقسيم وقت الدراسة عن طريق تدريس الطفل لمدّة 10 دقائق مثلاً، ثمّ إعطاؤه وقتًا للاستراحة واللعب لا يتجاوز خمس دقائق، ثمّ معاودة الدراسة من جديد. وكلّ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، يمكن زيادة وقت الدرس وإبقاء وقت الاستراحة.
- عدم توبيخ أو معاقبة أو ضرب الطفل الذي يعاني من فرط الحركة. فالتصرّف العدواني تجاهه سيَجعله أكثرَ حركة واضطراباً، لذا يجب أن يفسّر الأهل له عواقبَ أفعاله ويَلعبوا معه إذا اقتضى الأمر، ثم يذكّروه بأهمّية الدرس.
- إبعاد الطفل عن كلّ المؤثرات الخارجية خلال الدرس. فمِن المهم أن تكون غرفة الدراسة هادئة جداً كي يستطيع التركيز أطولَ وقت ممكن.
- من المستحسَن أن يلعب الطفل ضمن مجموعة صغيرة من الأطفال تضمّ 3 أو 4 أطفال، لأنّ اللعبَ ضمن مجموعات كبيرة سيُعزّز سلوكه المفرط وعدائيتَه.
- أخذ كلّ ملاحظات المدرّس والمعالج النفسي والمعالج النفسي الحركي في المدرسة بعين الاعتبار. وإذا لاحظ الأهل بأنّ حركة طفلهم تزيد عن المألوف، من المهمّ بدءُ علاج نفسي أو الأخذ برأي الطبيب.
* العلاج بالموسيقى
"الطريقة الثلاثية لعلاج الإفراط الحركي عند الأطفال"، أسلوب علاجي ابتكرَته الاختصاصية في علم النفس العيادي والمرضي والمتخصّصة بالعلاج بالموسيقى، الدكتوره حمده فرحات، والتي تعتمد في علاجاتها النفسية على الموسيقى. تفَسّر الدكتوره فرحات لـ"الجمهورية" أنّ الموسيقى تصل إلى الدماغ وتدفَع الخلايا الدماغية والجهاز العصبي المركزي إلى إفراز الهورمونات المناسبة للحالة المراد علاجُها عند الطفل.
وتضيف أنّ العلاج بالموسيقى يتمّ على مراحل ومستويات مختلفة: "المرحلة الأولى وهي مرحلة التفريغ، نَستعمل فيها موسيقى حماسية، المرحلة الثانية مرحلة الاسترخاء والتنفّس (الشهيق والزفير وتكرار هذا التمرين عدّة مرات). أمّا المرحلة الثالثة فهي التمرين لهدف معيّن، مثل تقوية التركيز عند الطفل الذي يعاني من فرط الحركة".
وتشير فرحات إلى أهمّية تشخيص حال الطفل ودراسة سلوكه في المدرسة وفي البيت قبل البَدء بعلاجه بالموسيقى. ويتمّ طرح بعض الأسئلة على الطفل أو على أهله حول معرفته بالموسيقى واهتمامه بها: أيّ أنواع من الموسيقى تجذبه؟ هل يهتمّ بآلة موسيقية معيّنة؟ هل لديه "أذُن موسيقية"؟ هل شاركَ أو يشارك بنشاطات موسيقية؟
وغيرها من الأسئلة المهمّة. ثمّ يمكن تحضير لائحة من الأغاني والموسيقى التي يحبّها الطفل، والتي يمكن أن تتضمّن: موسيقى حماسية وموسيقى للاسترخاء وموسيقى مخصّصة للطفل حسب حاجته. ويمكن أن يتعلّم بشكل بسيط وبدائي العزفَ على آلة. وتنتهي حصّة العلاج النفسي بالموسيقى من خلال سماع أغنية على صوت منخفض للعودة إلى الهدوء.
وتؤكّد فرحات أنّ هذا النوع من النشاط يساعد الطفلَ في الشعور بالهدوء والتركيز، وبالتالي يقلّل من حركته الزائدة، ويقوّي مهاراته في الكتابة والقراءة، ويساعده على التوازن وتوجيه طاقته وتقوية الناحية الحسّية - الحركية لديه.