يسأل الأطفال عن كل شيء طوال اليوم، لكن كيف نجيب عن أسئلة صعبة، “كالحديث عن الموت دون أن تسبب إجابتنا مشكلة أكبر من مجرد أن طفلك لا يعرف معنى هذا القدر”.
ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” طريقة لتجيب عن أسئلة أطفالك حول أشياء يجهلها الكبار التي أوضحتها مقالة الأخصائية في الإرشاد المدرسي وتدريب الأهالي (ميغان ليهي).
وتروي المقالة: “لقد توفي جد أحد زملاء ابني في الحضانة قبل بضعة أشهر، ولحسن الحظ لم تعاني عائلتي من وفاة شخص قريب منا منذ قدوم أبنائي إلى هذه الحياة، ولكن ابني قد تأثر بتجربة زميله، وعلى الرغم من أنه لم يذكر أي شيء عن الموضوع لمدة أشهر بعد الحادثة، إلا أنه قد بدء يخوض بفكرة الموت مؤخراً كما أنه بدأ يقلق من أن أكبر أنا أو زوجي بالعمر وأن نموت ونفارقه يوما ما.
ومن المثير للاهتمام أنه لم يسأل إذا ما سوف يموت جداه، وقد قال لنا إنه لا يستطيع التوقف عن التفكير في أنه هو أيضاً سوف يموت يوما ما، حاولت تسوية أفكاره والتحدث إليه بالموضوع، لأنني أعلم أن هذا المفهوم المعقد غالباً ما يتبادر إلى ذهن الأطفال في عمره.
حاولت أن أطمئنه بأننا نمتلك أجساما صحية وأننا سنحيى لمدة طويلة، ولكنني أتسائل، ماذا يمكنني أن أقول له غير هذا لأستوعب مشاعره وأهدىء من روعه؟ إن هذا الموضوع حساس بالنسبة لي.
أذكر كيف اعتراني القلق حيال الموت لمدة طويلة من طفولتي، وأذكر كم كان الأمر مقلقاً ومتعباً ،وكنت أرغب بأن أخبره أنه ليس هنالك أي سبب يدعو للخوف من الموت، ولكن اذا حدث شيء فجأة “لا قدر الله”، لا أريد أن يشعر أنني كذبت عليه.
هذا التساؤل أجابت عنه “ليهي”، دعيني أبدأ بطمأنتك أن هذا الأمر يحدث كثيراً ومن الطبيعي أن يقوم الأطفال بهذا السن بالقلق حيال الموت، يبدو لي أنك على تواصل دائم مع ابنك ومشاعره، كم اتمنى لو أن جميع الأهالي يكترثون بالعوالم الداخلية لأطفالهم وبمشاعرهم ومخاوفهم.
دعينا الآن نبدأ ونحلل الأمر، على الرغم من أنك لم تحددي عمر طفلك، إلا أنني سأفترض أنه يبلغ من العمر 4 سنوات، وذلك لأن الأطفال يبدؤون بإدراك مفهوم الموت عند هذا العمر تقريباً. أعتقد أنه من الجلي أن هذه الفكرة مرعبة للأطفال بهذا السن، وذلك لأنهم يكونون مرتبطين بعائلاتهم أشد ارتباط، فيكفي أن ننظر إلى اللغة التي يستعملها الطفل الذي في الثالثة أو الرابعة من عمره: “هذه أمي، هذا أبي، هذه لعبتي” لنعرف مدى تعلقهم بعائلاتهم وتملكهم لما يحبون.
يجب أن تكون هذه الصلة قوية. هل يمكنك أن تتخيلي طفلاً في الحضانة دون هذه الصلات العائلية القوية؟ في الحقيقة، هنالك الكثير من الأطفال الذين حرموا من هذه الصلات، ويمكننا أن نرى أنهم لم يحظوا بنمو عاطفي صحي وسليم.
إن ابنك الصغير قد بدأ ينمو ويكون شخصيته وأفكاره وآرائه، وقد بدأ يشارك هذه الأفكار مع عائلته ويريد أن يسمعه الآخرون وأن ينظروا إليه، إنه يريد أن يشعر بأهميته ويريد أن تشعريه أنت بأهميته.
لذلك، عندما يموت شخص في محيط الطفل، سوف يصدمه الأمر بشكل حاد وسيبدأ بالتفكير: “انتظر، لقد توفي جد هذا الفتى. ألا يمكن أن يموت جدي أو أمي او أبي أو حتى أنا؟”.
عادة ما يكون للطفل بهذا العمر شخصان بالغان، أبويه على الأغلب، يكن لهما الكثير من الحب لذلك، ستنعكس مخاوفه وفقاً لاولوياته، وعلى الرغم أنه من المحزن أن نراه خائفاً من الموت، أشعر أنه من الجيد أن أطلعك على هذا الأمر، لأن المشاعر التي تغادر عقلنا تحتل مساحة أقل بداخلنا. لذا انصحك بمواساته وطمأنته.
يتواصل بعض الأطفال مع فكرة الموت المرعبة بسرعة، بينما يبدو أن بعض الأطفال لا يفكرون بالأمر ملياً، يبدو أنه كلما زادت حساسية الطفل، كلما كان تأثير هذه الفكرة عليه أقوى، لذا يبدو لي أن طفلك حساس للغاية.
كيف يمكنك طمأنة طفلك الصغير؟ ابدئي بفصل قصتك وتجربتك الشخصية عن مخاوفه واذكري له أنك مررتي بتجربة مماثلة عندما كنت بسنه، وأخبريه أن هذه التجربة كانت “مؤلمة ومتعبة”. إن دماغك مرتبط لا إرادياً بمخاوفه، وكأنك تقولين لنفسك: “يا إلهي، ها قد بدأ الأمر! سوف تصبح الأمور سيئة للغاية” إن مثل هذا النوع من القلق يبقي غريزة الأمومة لدينا متهيجة ومذعورة ومستعدة للأسوأ بشكل سلبي وتشاؤمي.
إن أي رد فعل سلبي من طرف ابنك سوف يعود بذاكرتك الى تجربتك الشخصية، مما سيجرك وابنك في حلقة من الخوف والقلق. إن هذا الأمر سيؤذيه وسوف يدمر أعصابك على المدى الطويل.
إن الكتابة أو تلقي العلاج النفسي أو التحدث مع صديق يجيد الاستماع قد يساعدك على فصل قصتك وتجربتك عن قصة وتجربة ابنك. سيكون هذا الأمر تدريباً سيفيدك طوال حياتك وفي تجارب عديدة مشابهة. إذا كنت أنت حساسة كابنك، فإنكما ستقوما بشحن بعضكما بمشاعر القلق والخوف. تذكري أنك مسؤولة عن مشاعرك وعواطفك، لذا اذهبي وابدأي بمواجهتها.
هنالك طريقة أخرى لتواجهي مخاوف ابنك. ابدأي بالتوقف عن طمأنته بأن الجميع يتمتع بصحة جيدة وأن أحداً لن يموت قريباً. وعلى الرغم من اني أرى هذه الفكرة لطيفة وأدعوا لك الله أن يديم عليكم الصحة والعافية، إلا أن الحقيقة كما نعلم أن الأشخاص الأصحاء يمكن أن يموتوا أيضاً.
أنا لا أطلب منك أن تقولي لطفلك: “حسناً، يمكن أن نموت في أية لحظة. في أية لحظة كانت بغض النظر عن مدى صحتنا!” لا، لا تفعلي ذلك!
كل ما أقوله هو أنه يجدر بك الامتناع عن إعطاءه أدلة ليتوقف عن الشعور بالخوف، فنحن عندما نحاول طمأنة شخص ما بشكل متواصل، ونطلب منه أن لا يشعر بشيء معين، يكون الأمر كأننا نقول له: “إن شعورك هذا خاطىء وغير مرغوب به. توقف عن هذا. إنك تزعجني!”
إن لابنك كل الحق بأن يشعر بالخوف، إن الموت أمر مخيف حتى بالنسبة لأولئك الذين يعلمون ما الذي سيحصل لهم بعد الموت. لا يرغب أي طفل بفقدان والديه، لذلك لا يمكن طمأنته وإخبارك أن لا أحد من أحبائه سيموت قريباً. إن هاتان العبارتان متعارضتان خصوصاً من حيث المقصد ولن تقود إلا إلى زيادة حيرة ابنك.
أشعر أنني أضغط عليك بعض الشيء، ولكنني أوكد لك أنني لا اقصد ذلك. كل ما أطلبه منك هو أن تقومي “بتربيته” بشكل أقل. كوني مستمعة أكثر من كونك أماً. كوني مرآة له من خلال عكس مشاعره، وأخبريه أنه “بغض النظر عما يحدث، إن الحب لا يموت. وسيبقى حبي لك حياً مهما حصل”. تواصلي مع ابنك من خلال وجودك أكثر من التواصل الشفهي.
وأخيراً، يمكنك أن تقولي له: “إن عائلتنا بصحة جيدة” ولكن لا تتوقعي منه ان يقتنع بهذه الفكرة بسرعة.”