التفتت نور نحو رضوان بعد ان دخلوا غرفة الفندق متظاهرة بأنها نسيت شيئاً مهماً ....وقالت : أتعرف يا رضوان جعلتني بهذه الأيام الحلوة والرائعة أنسى أن أشتري بعض الهدايا البسيطة لأهلي كذكرى من شهر عسلنا الصغير ....وأدمعت عيناها وهي تستجدي عاطفة رضوان ....ثم قالت : لا بأس غداً نذهب إلى السوق ....أظن أنه لا مانع لديك أن نتأخر عن العودة يوماً واحداً .....ابتسم رضوان ابتسامة عريضة ...فهو ليس بالإنسان الساذج ...وفهم ما تقصد نور بهذه الحركة ...تريد أن تستأثر به ولا يفي بوعده لهند .....وقال : لا بأس يا حبيبتي على طريقنا غداً إلى دمشق أعرف محلاً كبيراً للهدايا ويمكنك أن تشتري ما تشائين ...ولكن لا أستطيع تأخير موعد عودتنا فعندي مواعيد هامة في العمل .....ولم يترك مجالاً للنقاش في هذا الأمر ....بل غير ملابسه و بدأ يجهز حقيبة السفر بالتعاون مع نور التي كانت منزعجة جداً لأن الخطة لم تنجح ....وبالفعل تم العودة إلى دمشق كما هو مخطط لها .....وما أن دخلوا البيت حتى أسرعت هند باستقبالهما أحسن استقبال ....وكانت تلبس فستاناً رائعاً زادها جمالاً ....ومما أثار غيرة نور فوق امتعاضها ......وخاصة ما لمحته في نظرة رضوان لهند التي كلها شوق ....وكأنها هي ذبابة تقف أمامه أو شيء يسمونه كمالة عدد ......سلّمت نور سلاماً بارداً جداً ودخلت غرفتها على عجل ....ونسيت أن تذهب وتسلّم حتى على حماتها التي تنتظر في غرفة الجلوس .....وبعد قليل دخل رضوان ....وهو مستغرباً وقال : ما بك يا نور لم تسلمي على أمي ....بعد غياب عشرة أيام ؟......وتذكرت نور أنه بالفعل غضبها جعلها تنسى ذلك ....فاستدركت قائلة : اعذرني فإن رأسي يؤلمني جداً من السفر .....دقائق ...وسأذهب عند والدتك ....وبعد ربع ساعة ذهبت نور لتسلم على حماتها وتعتذر منها ....قالت أم رضوان : لا بأس يا حبيبتي لم يحصل شيئاً .....وكأن لطفها وتسامحها زاد الطين بلة بالنسبة لنور ما هذه العائلة الخلوقة ....؟؟؟؟المهذبة ...تقول لنفسها ....وكيف سأفتعل أي مشكلة مع هكذا ناس .....لأحقق رغباتي .....حقاً إنه شيء صعب !!
وبعد الغذاء أخذ رضوان قيلولة ....ثم ذهب إلى المعمل ....ومن ثم سيزور محله في سوق البزورية ....فهو لديه معمل لتغليف مواد غذائية كالسكر والرز والبرغل ....إلى آخره ....فهذا المعمل يدر عليه أرباح جيدة جداً ....انفردت نور في غرفتها ...وبدأت تفكر في رضوان ....فعلاً إنه إنسان رائع ....ولطيف وكم هم كريم معها ....حيث جعلها تختار ما تشاء لنفسها ولأهلها وتتبضع من بيروت ....فهذا لم تكن تألفه عند أهلها أبداً .... وكذلك الرحلة كانت رائعة بكل المقاييس .... أما هو كزوج وشخص لم تكن تتصوره هكذا وكأن أبواب الجنة فتحت لها بهذا الزواج بالرغم من فارق السن الذي خافت منه كثيراً عند بداية الارتباط ....ولكن كان رضوان عكس ما تصورت تماماً ....رجل بكل معناً للكلمة ...وذكياً ويعرف ماذا يريد وما لا يريد ....ولا يتأثر إلا بما يمليه عليه الحق والواجب .....أهذا حلم أم علم .....أيمكن أن يكون في هذا العصر رجل مثله له قيَمَه ومبادئه ...وهو ثابت عليها كل هذا الثبات .....غريب فعلاً .....وشعرت بشوق لرضوان قوي جداً .... وهو الذي لم يتركها بعد إلا عدة ساعات .... وأصبحت كل دقيقة تنظر إلى ساعتها وتقول لقد تأخر وهي تلبس أجمل ما عندها من الثياب .... وتضع لمسات من الزينة (المكياج ) التي زادتها جمالاً فوق جمالها ....بالإضافة إلى عطر غالي اشتراه رضوان لها من بيروت .... وهو من ماركة مشهورة جداً كما قال لها ..... يا له من موسوعة .... إنه يعرف كل شيء ...وشعرت أنه بدا يحتل كيانها رويداً ..... رويداً ..... وسمعت صوت مفتاحه يدور في باب البيت ..... فهرعت لتفتح له هي الباب وتستقبله كما استقبلته هند هذا الصباح ............ولكن .... كانت هند قد سبقتها ..... دخل رضوان غرفة الجلوس ليلقي على والدته تحية المساء وكانت هند على يمينيه ونور على يساره ....... فكتمت أم رضوان ضحكة كادت أن تفلت منها ......وهي تقول في نفسها الله يعينك يا ابني ......عالتنتين .......وتعشت العائلة مع بعضها ....ورضوان يتكلم والكل صامت .....تكلم عن بيروت وطقسها وأسواقها وتكلم عن عمله .....والباقي يسمع فقط ....وعندما انتهى العشاء وأكملت العائلة سهرتها على التلفزيون قليل من الأخبار وبعض البرامج .....حتى شعر رضوان بالنعس .....فقام متوجها إلى غرفة هند قائلاً : الحقيني يا هند ...........؟؟؟!!!! هنا شعرت نور وكأن طاسة من الماء الساخن قد وقعت على رأسها .....وأرادت أن تصرخ إلى أين .....أتترك العروس وتذهب مع القديمة ......يا ويلك مني ....هذا ما قالته بنفسها ولكن مسكت أعصابها وحاولت ألا يبدو عليها شيئاً ولكن هيهات .........فقد اصفر وجهها وصار باهتاً .....وتلعثم لسانها وهي تقول تصبحون على خير .....ومن ثم تتوجه بسرعة إلى غرفتها ......وأم رضوان تنظر ......وتضحك في نفسها ......وتقول مرة أخرى الله يعينك يا ولدي .....قلت لك ضع كل واحدة ببيت منفرد ولكنك رفضت أن تبعد عن هند حب حياتك من جهة .....ومن جهة أخرى خفت على نور لأنها صغيرة جداً على فتح بيت وحمل مسؤوليته بمفردها .....(والقى إذا بتلقى )......الله يرزقك بالولد الصالح .....يلي يملي حياتك وتنسى فيه كل همومك .....
أما نور ....فكانت تبكي بكاءً مريراً في سريرها ......وتفكر ماذا ستفعل ....بهذه التي تقاسمها .....رجل ولا كل الرجال
فبدأت الأفكار الشريرة تتدفق عليها من كل جانب وصوب .....إنه يحبها فعلاً .....ماذا ستفعل لتجعله يكرهها فعلاً ؟؟؟؟؟ وهي تقصد هند ؟؟
يتبع