اختلّت وانزلقت قدم هند على الدرجة الأخيرة من السلم .....وكانت نور تقف أمامه مباشرة ....وبدأت تهوي هند مع الزجاج خارج النافذة ......ونور واقفة .....لم تبادر بأي حركة .....والتقت العينان عينان هند ونور .....قبل أن تسقط هند مباشرة وبلمح البصر من الطابق الثالث إلى الطابق الأرضي عند الجيران .......أصبح لون نور شاحباً كلون الشبح ....ففي قرارة نفسها تعلم تماماً أن تقريب السلم ثلاثة سنتيمتراً كان كفيلاً لسند قدم هند ........وقفت برهة بسيطة شعرت بنفسها لدقائق أنها قاتلة محترفة .....وامرأة شريرة ......ولكن لا وقت الآن للتفكير .....وهرعت إلى الهاتف لتخبر رضوان بأن شيء فظيع حل في البيت .....وأن محبوبته الغالية قد تكون الآن في عداد الأموات .....لم يصدق رضوان ما سمع ......وترك كل شيء متوجهاً فوراً إلى المنزل ......بينما كان الحيران كلهم أصبحوا في الطابق الأرضي واتصلوا بسيارة الإسعاف فوراً .....والعجوز أم رضوان المسكينة التي كانت تصرخ من غرفتها ....ولا أحد يجيب ......وهي المريضة .....حيث سمعت صراخ الجيران وهم يقولون هند .....هند لا حول ولا قوة إلا بالله .......هل ماتت .....هل ماتت ....فما كان منها ...إلا أن خرجت من سريرها زحفاً على يديها وركبها .......لتعرف ماذا حصل بهند المسكينة ......بينما نور انضمت إلى بقية الجيران .....ووصل رضوان وسيارة الإسعاف معاً ....وأخذوا هند إلى أقرب مستشفى وهي في حالة غيبوبة تامة ....و الدم يسيل من فمها ......ولكن قلبها ما زال ينبض .....متمسكاً في الحياة .......
وفي المستشفى .....أدخلت هند الإسعاف وهرع طاقم طبي لنجدتها و فحصها .....وبقي رضوان ونور جانب غرفة الطوارئ ......ورضوان غارقاً في دموعه الصامتة .....كان في حالة قهر شديد جداً ......لدرجة نسي كل شيء حوله .........أما نور ....فكانت ترتجف وترتعد من الخوف والهلع .....
وبعد ساعات طويلة .....خرج أطباء الإسعاف من غرفة الطوارئ والتقوا برضوان وعلامات الأسى على وجههم .....وقالوا له : أولاً اطمئن هناك نسبة عالية أن تعيش هند وتعود إلى الحياة ....ولكن الفحص أظهر شعراً في الجمجمة ليس بسيطاً وارتجاج في المخ .....وكسر في عظم الأنف وعظم الساعد الأيمن وعظم الحوض .....ولكنها على قيد الحياة .....وهي الآن في غيبوبة .....وتحتاج إلى عناية فائقة .....وبعد مرور 72 ساعة .....سيزول الخطر .....ونستطيع تحديد طريقة العلاج بشكل دقيق وتفصيلي .....نرجو لها السلامة ...بدون أي إعاقات .....ولكنها ستعيش بإذن الله .....والأمر كله لله من قبل ومن بعد ........طلب رضوان رؤيتها فوراً ......قالوا له الأطباء لا بأس لعدة دقائق ومن خلف زجاج العناية المشددة ........
وقف رضوان خلف الزجاج ......ولكن قلبه كان قبل الزجاج .....عند هند ....هذا القلب الذي كان يرفض أن يترك هند دقيقة واحدة منذ أن وعى على الدنيا وعلى العالم .....منذ نعومة أظفاره لم يبتعد عن هند .......وبقي رضوان خلف الزجاج هو ودموعه وشريط حياته يمر بسرعة أمام ناظريه .....وهو يترقب رحمة الله ولطفه .....ويتمنى أن يرى عينين هند مفتوحة لتراه ويراها ........ونسي شيء اسمه نور نهائياً ......التي بقيت لوحدها في الخارج ....تحمل جنينها ....و أفكارها السوداء تأخذها إلى أماكن بعيدة جداً .....ماذا لو حصل وعاشت هند ....فهي الشاهد الوحيد .....على أنها قاتلة .......وإن لم تقم بأي حركة .....ولأنها لم تقم بأي حركة ....لذلك هي قاتلة ..............وهالكة لا محال .............؟؟؟!! وبعد دقائق خرج رضوان من غرفة العناية المشددة ....والحزن والدموع يغمران وجهه ......و من ثم نظر ....إلى نور ......وكأنه تذكّر شيئاً ......فاتجه مسرعاً إليها و بدأت علامات الحزن ....تنقلب إلى علامات الغضب على وجهه .....؟؟؟؟؟!!
يتبع