إنَّها العُطْلةُ
رُغْم أنَّ شهرَ آذار أو مارس قد حلَّ، فقد كانتِ الأشجارُ في حديقةِ بيتِ جَدَّة لِيا تُصْدِرُ أصواتًا ليلاً كأنها في شهر كانونَ.
همسَتِ الجَدَّةُ من تحتِ نظَّارتيِّ القراءةِ اللاَّمعتين كمُستطيلينِ من الكريستالِ الأَنيقِ، وكانت تصحِّحُ دفاترَ طلاَّبِها المكومةَ على طاولةِ الطَّعامِ الخشبيَّةِ الكبيرةِ التي لم تُستخدَمْ لتناوُل الطَّعامِ منذ أيامِ امتحاناتِ فصلِ الرَّبيعِ:
ـ تأكَّدي يا لِيا أن أمَّكِ قد نامتْ، فمِن عادتِها أن تَترُكَ الضَّوءَ مُضاءً.
وفي طريقِ الفتاةِ إلى غرفةِ أمِّها، عادتِ الجَدَّةُ فهمسَت:
ـ ولا تنسَي أن تُبقي علامةً على الصَّفحةِ الَّتي كانت قد وصلَتْ إليها في قراءتِها.
تنهَّدتِ الفتاةُ وقالَت لنفسِها:
ـ إنها الطَّلباتُ ذاتُها كل ليلةٍ. أَعتقدُ أنَّني أسمعُ الجُمَلَ ذاتَها مذ وُلِدْتُ، أي قبلَ اثنتي عشرَ سنةً.
واستدركَتْ وهي تضَعُ ورقةً ملوَّنةً على الصَّفحةِ التي وصلَت أمُّها إليها في قراءتِها قبلَ أن تغفوَ:
ـ وأنفذُ الطَّلباتِ منذ ثماني سنواتٍ.
أَطفأَتِ الضَّوءَ بعد أن رفعَتِ الغِطاء فوقَ رقَبَة أمِّها، وانسحبَتْ إلى جَدَّتِها لتُقدِّم التَّقريرَ ذاتَه:
ـ إنها غارقةٌ في النَّومِ.
فتَبسِمُ الجدَّةُ ككلِّ يومٍ، وتقولُ ككلِّ يومٍ:
ـ تتعبُ كثيرًا أثناءَ النَّهارِ.
ولكنَّها اليومَ أطالتِ النَّظرَ إلى حفيدتِها بعينيْها الواسعتينِ السَّوداويْنِ اللَّتينِ تحيطُ بهما مجموعةٌ من التَّجاعيدِ الرَّقيقةِ، وقالَت بإعجابٍ:
ـ لقد كبُرْتِ يا لِيا.
فابتسمتِ الفتاةُ وقالت:
ـ تذكَّري أنني في الثَّانيةَ عشرةَ من عمري.
فضحكَتِ الجدَّةُ:
ـ تُذكِّرينني بنفسي: الجسدُ القويُّ الطَّويلُ، الكتفان العريضتان، والبشَرةُ السَّمراءُ بلونِ البُنِّ، والشَّعرُ الإفريقيُّ الجَعْدُ الكثيفُ.
مدَّت لِيا أصابعَها إلى تجعُّدات شعرِها تحاول أن تربطَها، فاضطرَّت إلى أن تفتحَ كلَّ كفِّها الأيسرَ لتُديرَ الشَّريطَ الطَّويلَ حولها، وتمنَّت لو لم يكُن شعرُها إلى هذه الدَّرجة جَعْدًا، وإنْ كان الجميعُ يقول إنَّه يتناسبٌ ولونَ بشَرَتِها ولونَ عينيها الواسعتين السَّوداوينِ.
قالَت الجدَّةُ جملتَها هذه وعادَتْ إلى التَّصحيح، بينما التَحَفَتْ لِيا بغِطائِها الصُّوفيَّ واتَّجهَتْ إلى النَّافذةِ تتأمَّلُ القمرَ في صفحةِ السَّماءِ وتسمعُ صوتَ الجَداجدِ.
فتحَتِ النَّافذةَ قليلاً فهاجمَتْ وجهَها نسمةٌ باردةٌ. وخطرَ لها أن تَمُدَّ لسانَها، فإذا بها تشعُر بقَرْصٍ شديدٍ فيه.
شدَّت الغِطاءَ الصُّوفيَّ إلى كتفَيْها، ثم رفعَتْه لتغطِّيَ أنفَها الجليديَّ كما كانتْ تفعلُ مع أبيها قبلَ سفرِهِ لإنجازِ رسالةِ الدُّكتوراه في المحاسبةِ في لندن.
ولأوَّل مرةٍ منذ بداية السَّنةِ الدِّراسيةِ لم تطلُبْ جدَّتُها منها أَن تخلُدَ إلى النَّومِ، وذلكَ لأَنَّ عُطلةَ الرَّبيعِ ستبدأُ غدًا، فلا بأسَ إِنْ تأخرتْ في النَّومِ حتى الثَّامنةِ أو التَّاسعةِ.
ـ يا إلهي! الثَّامنة أو التَّاسعة؟ لا أُصدقُ!
التفتَتْ إلى جَدَّتِها وقالَت بفرح:
ـ سنلتقي غدًا أنا وسامي ويارا ودانيال، فلدينا مشاريعُ ربيعيةٌ لها علاقةٌ بالبيئةِ ولكنَّها لم تَكْتَمِلْ بَعْدُ.
ورُغْمَ أنَّ الفتاةَ قد سُرِقَت منها فجأةً تلك النَّظرةُ الفَرِحةُ وهي تقول كلمةَ " تَكْتَمِلُ"، عادَت فابتسمَت قائلةً:
ـ سنبحثُ في الأمرِ غدًا.
فاكتفتِ الجدَّةُ بابتسامةٍ مُشجِّعةٍ:
ـ أما قلتُ لكِ إنَّكِ قد كَبُرْتِ؟
اعتبرَتْ لِيا تعليقَ جدتِها ثناءً تكررُه للمرَّة الثَّانية هذا المساء، أتبعَتْه بقولِها:
ـ من الجميلِ أن تكتشفوا جمالَ البيئةِ وتفكِّروا بتخليصِها من مشاكلِها.
وكانَت لِيا تعرِف أنَّ جملةَ جَدَّتِها هذه كان يمكنُ أنْ تكون على الشَّكلِ التَّالي:
ـ من المعُيبِ، أيُّها الأولادُ، ألاَّ تعرفوا شيئًا عن بيئتِكم فتمرّ بكم سنواتُ الطُّفولةِ وأنتم ملتصقون إلى كراسيكم قُبالةَ الكومبيوتر والتِّلفازِ.
لمَعَتْ عينا لِيا وهي ترى الفرق بين جُمْلةٍ تبدأُ بـ: "مِن الجميلِ" وأُخرى تبدأُ بـ: "مِن المُعيبِ"، ثم عَزَتِ الأمرَ إلى كون جدَّتها مربِّيَةً وتعرفُ كيف تخاطبُ الأولادَ.
ولم يَطُلِ الأمرُ بها وهي تفكِّر بمنطِق الأمورِ، فسَرْعانَ ما قالت وعيناها تلتقطانِ أَخْيِلَةَ الأشجارِ وهي تتراقصُ تحتَ ضوءِ القمَرِ ما يبعَثُ في نفسِها بعضَ الرَّهْبةِ:
ـ لكنَّني لا أجرؤُ على الخروجِ في العَتَمَةِ.
وضحكَتْ متابعةً:
ـ رُغْم أنَّني أعرِفُ المكانَ بالشِّبرِ، وأعرِفُ أنَّ القريةَ آمِنَةٌ تمامًا، إلاَّ أنَّ الخروجَ ليلاً يُشعرني أن هناكَ أَشباحًا تختبئُ وراءَ الأشْجار في الظَّلامِ.
علَّقَتِ الجدَّةُ بلهجةٍ جادَّةٍ:
ـ رُغْم أنَّه لا أشباحَ، فلسْتِ مُضْطَرةً إلى الخروجِ ليلاً.
رفعَتِ الفتاةُ كتفيها قائلةً:
ـ أعتقدُ أنَّ الحكاياتِ الكثيرةَ التي أقرأُها تأْبى إلا أن تحرِّكَ الأشباحَ والجنِّيَّاتِ والسَّاحراتِ.
فابتسمَتِ الجدةُ قائلةً:
ـ نحنُ أولادُ قراءاتِنا.
(2)
عانقَتْ شمسُ الصَّباحِ كلَّ أغصانِ الأشجارِ وعانقتْ عيني لِيا أيضًا، فقفزَتْ بنشاطٍ على غيرِ عادتِها أيامَ المدرسةِ، وفتحَت نافذةَ الغُرفةِ على وُسعِها ووقَفَتْ تتأملُ نهوضَ الطَّبيعةِ.
همسَتْ في نفسِها:
ـ لو تقتصرُ المدرسةُ على ثلاثةِ شهورٍ في السَّنةِ، وتكون العطلةُ تسعةً.
وتمطَّت فاتحةً فمَها على وُسْعِه، وقالت:
ـ إذنْ لأُتيحَ لي أن أقرأَ مئاتِ الحكاياتِ في السَّنةِ، ولأعددتُ مُعجمي الَّذي أحلُمُ بإعداده والَّذي يلخِّصُ كلَّ حكاياتِ الأطفالِ العالميةَ.
إنَّ كلمةَ (مُعْجَم) كانت تداعبُ طموحاتِها بالفعلِ. ورُغْمَ أنها ليست كلمةً يستطيعُ الأطفالُ أن ينفِّذوها، ولكنَّها كانت تعتقدُ أنها قادرةٌ على تنفيذِها؛ بل إنَّها بدأَتْ بالفعلِ بتنفيذِها عندما فتحَت في جهازِ حاسوبِها الخاصِّ مَلَفًّا قبل شهور أسمَتْه: مُعَجم لِيا، ولخَّصَت فيه أكثرَ من عشرينَ حِكايةً منها أربعُ حكاياتٍ عربيةٍ حكتْها لها جدَّتُها.
المُعجمُ كان بالنِّسبةِ إليها كشمسِ الرَّبيعِ وقمِر الرَّبيعِ ونجومِ سماء الرَّبيعِ، تمامًا كما هي الحكاياتُ بكل ما فيها من خيالٍ ولغةٍ وأحداثٍ.
التفتَتْ إلى البابِ الذي فُتِحَ، فإذا بأمِّها وقد لبسَت مريولَ العملِ الأبيضَ تحمل كوبَ قهوتِها وتبتسمُ ابتسامةً واسعةً:
ـ يجبُ أن أذهبَ إلى العيادةِ. أعتقدُ أنَّ الآلةَ الجديدةَ ستصل اليومَ؛ فمُرّي لِتَرَيْها.
ضحكَتْ لِيا:
ـ مبروكٌ سلفًا.
وسارعَتِ الأمُّ بخطواتٍ سريعةٍ كعادتِها نحو بابِ المنـزلِ لتخرُجَ إلى الحديقةِ. وقبل أن تغلِق بوابةَ الحديقةِ نادتها لِيا:
ـ أعتقدُ أنَّ ضِرسَ دانيال مُصابٌ بالتَّسَوُّسِ. سيمرُّ لعندكِ بعد الظُّهرِ.
هزَّتِ الأُمُّ رأسَها وسارعَتْ لتقطعَ الشَّارعَ باتِّجاهِ عيادتِها التي لا تَبعُدُ كثيرًا عن البيت، وكانَتْ تعشق الذَّهاب إليها مشيًا على الأقدامِ.
(3)
لم تكن قريةُ لِيا وأصدقائِها قريةً عاديَّة؛ فقد كانت كبيرةَ المِساحةِ، مُطِلَّةً على البحرِ، واسعةَ حُقول الموزِ، كثيرةَ الطُّرُقاتِ، وكثيرةَ المدارسِ والبيوتِ، وإن كانتِ البيوتُ تكادُ تخلو من سكَّانها شتاءً وتعود لتَزْخَرَ بالحياة صيفًا حيث تقضي العائلاتُ صيفًا ممتعًا فيها.
لكنَّ لِيا وأصدقاءَها كانوا من المقيمين بها، وكانت جدتُها وأمُّها تعتقدان أنه من الضَّروري أن يقيمَ سُكَّان أيَّةِ قريةٍ فيها لتزدهرَ، ولمَ لا وقد وصلَتِ التِّكنولوجيا إلى آخر بيتٍ في آخرِ قريةٍ، فصار الجميعُ يعرفُ ما يحصُلُ في العالم في اللَّحظةِ التي يَحصُل فيها؟ ومن هذا المبدأ، تولَّتِ الجدة إدارةَ المدرسةِ المتوسِّطةِ إلى جانبِ تعليمِ مادَّةِ الرِّياضياتِ، وأصرَّت أمُّها على تحديثِ عيادةِ طبِّ الأسنانِ لتُضاهيَ أفضلَ العياداتِ في العاصمةِ.
(4)
رُغْمِ الابتسامةِ الواسعةِ التي رسمَتْها لِيا على شفتَيْها وهيَ تتأملُ أشجارَ العُلَّيْقِ والشُّجَيْراتِ الشّائكةِ والورودِ المتَعرِّشَةِ التي تُشكِّلُ سياجًا طبيعيًّا للسُّورِ الذي يحيطُ بالحديقةِ بدلَ الأسلاكِ الشَّائكةِ والزُّجاجِ المَكسورِ، فقد كان هناكَ سؤالٌ كبيرٌ يَشغَلُ بالهَا إن لم نَقُل يُغضبُها.
ولم تكن لِتَجْرؤَ على طرحِه لولا مرورُ سامي صديقُها في الصَّفِّ وجارُها الأقربُ والَّذي يلاصقُ بيتُه بيتَ جَدَّتها، والمولودُ في اليومِ الذي وُلِدَتْ به، والذي تَخُصُّه هو بالذّاتِ ـ حينَ تكونُ راضيةً عنه ـ بنداءِ: ساميي.
وكأَنَّ سامي استطاعَ، من خلال تأمُّل عينيِّ صديقته، أن يقرأَ فيهما قلقًا فاقتربَ منها، وما إِنْ سألها: "ما بكِ يا لِيا؟"، حتى سألتْهُ وهي تتمنَّى سَلَفًا لو يجيبُها بلا:
ـ أتعتقدُ أنَّ يارا عبقريةٌ يا ساميي؟
فوجئَ بسؤالهِا وارتبكَ، ولم يعرفْ بم يجيبُ. لكنه تساءلَ وهو يفُكُّ دوائرَ شعرِه النُّحاسيِّ الجَعْد بأصابعِهِ النَّحيلةِ:
ـ عبقريةٌ؟
قالَت بغضبٍ وهي تَرقُبُ ارتجافَ شفَتَيْه:
ـ دانيال الصَّغيرُ يعتقدُ هذا.
وبلعَتْ ريقَها ثم نظرَتْ إليه بحدَّةٍ وهي توجِّهُ سَبَّابتَها إلى وجههِ:
ـ وربما أنتَ!
قالَ مُتراجعًا خطوتينِ إلى الوراءِ وكأنه يهرُبُ من تُهْمةٍ قذفَتْه بها للتوِّ:
ـ لا! أنا لا، فكلُّنا ـ ما عدا دانيال ـ في الصفِّ السادسِ، وكلُّنا ينجحُ دائمًا، وكلُّنا أبناءُ قريةٍ واحدةٍ، وإنْ كانتْ يارا...
فتحَتْ عينيْها لتسمعَ ما بعدَ جملةِ: "وإنْ كانتْ يارا..."، فما كان منه إلاَّ أَن أطبقَ عينيهِ كعادته حين يريدُ أن يركِّزَ، فبدَتْ أهدابُ عينيهِ حمراءَ كشمسٍ غاربةٍ. وكادَت تبتسمُ وهي تكتشفُ التَّشابُهَ بينَ لونِ الشَّمسِ وأهدابِه، لكنَّها فضَّلْت الإبقاءَ على عبوسِها محاوِلةً أن تعرفَ رأيَهُ في يارا.
والحقيقةُ أنها كانت هي الَّتي تبحثُ عن شخصيةِ هذه الفتاةِ التي تعتقدُ ـ بينها وبينَ ذاتها ـ أنها مميزةٌ.
أسندَتْ ظهرَها إلى البوَّابةِ الحديديَّةِ وشدَّت سترتَها الصُّوفيةَ النَّاعمةَ فوقَ بعضِها، وقالت وهي تحاولُ أن تكتشِف مشاعرَها نحو يارا في هذه اللَّحظاتِ بالذَّات:
ـ اسمعْ يا ساميِّي..يارا تعشقُ الكتبَ العلميةَ.
فتحَ عينينِ بلونِ الشُّوكولا بالحليبِ، ووافقَ:
ـ صحيحٌ!
فكَّتْ بعضَ عُبوسها، وتابعتْ وهي تتخيلُ سَبَّابةَ صديقتِها المرفوعةَ كلَّما واجهَتهم مشكلةٌ، وتتخيلُ كذلكَ سَيْلَ حلولِها التي تكادُ لا تنضُبُ، وقالت:
ـ وتجدُ عشرةَ حلولٍ لمشكلةٍ واحدةٍ.
هزَّ رأسَهُ موافقًا وقالَ بصوتٍ خفيضٍ:
ـ صحيحٌ!
قالتْ وهي تركِّزُ النَّظَرَ في عينيهِ وكأنَّها ترفضُ أن يهرّبَهما من دربِ عينيها:
ـ وتكتشفُ الكثيرَ من الأمورِ قبلَ أن نكتشفَها.
قالَ متنهدًا:
ـ صحيحٌ!
قالت بالصَّوتِ الحازمِ نفسِهِ:
ـ وتقضي الكثيرَ من الوقتِ في مكتبةِ الأطفالِ تقرأ بمُتعةٍ وتستفيدُ مما تقرأُ.
أجابَ بلا ترددٍ:
ـ صحيحٌ!
قالت بسرعةٍ:
ـ وتفاجئُنا بمعلوماتٍ تحصُلُ عليها من الأنترنت.
قال مبتسمًا:
ـ صحيحٌ!
قالت بحدةٍ وهي تضرِبُ الأرضَ بقدمها اليمنى:
ـ لذلك فهي عبقريَّةٌ..
قالَ من دون تفكيرٍ:
ـ صحيحٌ!
فاشتعلَتْ لِيا غضبًا وعلا صوتُها وقالت:
ـ بل هي ليستْ عبقريةً، فأنا قارئةُ وجامعةُ حكاياتٍ ممتازةٌ، وأنتَ لاعبُ كُرةِ سلةٍ متفوقٌ، ودانيال الصَّغيرُ يملك صوتًا لا بأس به رُغْمَ أنَّه جبانٌ.
تراجعَ خطوتينِ أخريينِ إلى الوارءِ، وخبّأَ ابتسامتَهُ التي كانتْ قد ظهَرَتْ على شفتيه قبل قليلٍ، وبدَتْ عيناهُ أغمقَ مما كانتا عليه قبل لحظاتٍ، وكأنَّ نسبةَ الحليبِ بالشُّوكولا قد قلَّتْ فيهما، وتمتمَ بسرعةٍ:
ـ صحيحٌ.
أمسكتْ بقبةِ قميصِه غاضبةً:
ـ أنتَ لا تجيدُ إلا كلمةَ "صحيح"؟
قالَ بارتباكٍ:
ـ صحيحٌ!
ثم ضحكَ نصفَ ضحكةٍ قائلاً وهو يحاولُ الإفلاتَ من يدها:
ـ أنا مَلِكُ "الصَّحيح"!
تركَتْ قَبَّة قميصِه بعد أن دفعَتْه فكادَ يقع لو لم يسارعْ إلى الاستنادِ إلى الجدارِ قائلةً بغضبٍ:
ـ لستَ ساميِّي!