قلعة الفصول الأربعة
ـ قصة للأطفال ـ
بقلم : علياء الداية رسوم : نجلاء الداية
الحلقة الثالثة و الأخيرة
في الليل يلتقي الثلاثة عند باب القبو. يُخرج سالم مفتاحاً صدئاً، يديره في الباب فينفتح، يدلف الثلاثة إلى الممر الرطب، و يجتازونه إلى الأمام، و على اليمين و اليسار غرف متعدّدة تنبعث منها روائح عشب يابس و توابل و نكهات حامضة. و لا بد من أن يعترف وليد أنه كان أكثرهم خوفاً :
"واضح أنّ سالم و سالي معتادان على هذا المكان، أشعر بالندم لمجيئي إلى هنا، أنا لا أحب الأقبية" .
و يتذكّر وليد بيتَ جدّه الذي كان فيه قبو يشبه هذا، الروائح نفسها، و لكن على الأقل سبق له دخوله في النهار مع جدّته، و ليس ليلاً كما هي الحال هنا.
ـ هيه، وليد، لماذا توقفت ؟ تعال إلى هنا.
ـ هيّا، تقدّم.
يستحثّه سالم و سالي على التقدّم، و يصلون إلى باب موصد، يفتحه سالم بالمفتاح نفسه، فيقول وليد :
ـ يا للعجب، مفتاح واحد لكل الأقفال.
تقول سالي :
ـ ألم أقل لك منذ اليوم الأول إنها قلعة سحرية ؟
و يضيف سالم :
ـ في طريق العودة، سنمرّ بالغرفة الثالثة على اليسار، فيها بندق لذيذ الطعم.
يقول وليد :
ـ أنا لا أحب البندق.
و لكن صديقيه الجديدين لا يلتفتان إليه، بل يدخلان الغرفة :
ـ هيا، تعال.
يدخل وليد، فيغلق سالم الباب.
يقول وليد :
ـ ماذا تفعل يا سالم، هل تريد أن تحبسنا هنا ؟
ـ لا، إنه مجرد إجراء للحرص على السرّية.
تكبس سالي زر الكهرباء فيضيء المكان بنور شحيح، و يظهر في وسط الغرفة الخالية شيء دائري بارز من أرض المكان.
ـ ما هذا ؟
فيجيب سالم و سالي :
ـ إنها الدفّة.
ـ الدفّة ؟ دفّة السفينة ؟
ـ شيء من هذا القبيل.
ـ و هل تدور ؟
ـ أنا و سالي نظن ذلك، و لكن لم نستطع تحريكها، كما ترى كبيرة و ثقيلة، و تحتاج إلى عضلات قوية لإدارتها.
يقول وليد :
ـ هيّا بنا نحاول، و لكن.... مهلاً، ماذا سيحصل إذا حرّكناها ؟
يجيب سالم :
ـ لا أعرف، و لكن أي شيء هو أفضل مما نحن فيه.
يقول وليد :
ـ كنت أظن أنك راضٍ عن الوضع هنا.
فتقول سالي :
ـ هذا ما تظنه، كما يظن الآخرون، و لكن الأمر مختلف. نحن نحاول، و الآخرون إما مثل الكابتن جلال جالس لا يتحرك، أو مثل الأستاذ فيصل و الأستاذ خليل يخترعون أي شيء لملء الوقت و شغله.
يسأل وليد :
ـ ألم تخبراهم بما وجدتما هنا ؟
فتقول سالي :
ـ و لماذا نخبرهم ؟ هذا سرّنا الخاص.
يقول وليد :
ـ و ماذا نستفيد من سرّ خاص ؟ كما ترون نحن لا نستطيع تحريك الدفّة.
و يمسك الثلاثة بأطراف الدفّة، يحاولون إدارتها جهة اليمين، و لكنها لا تتحرك، يجرّبون جهة اليسار، و لكنها لا تتحرك كذلك.
يسأل وليد :
ـ ماذا لو تمكنّا من تحريكها و حصلت كارثة ؟
تجيب سالي :
ـ و هل يمكنك وصف القلعة التي نحن فيها أصلاً بكلمة غير الكارثة ؟
يسأل سالم :
ـ أمسرورٌ أنت هنا ؟
يحتار وليد، فيقول سالم :
ـ هيّا بنا نخرج، سنكمل الحديث غداً حول خطّتنا، قبل أن يصير منتصف الليل و يكتشف أحدهم غيابنا.
و يخرج الثلاثة، سالم و سالي يقضمان حفنة من البندق، أما وليد، فقد زوّده سالم ببضع حبات من اللوز الذي يحبه.
في الأيام التالية، تمكّن وليد من إقناع سالي و سالم بالحديث حول سرّ القبو مع الأستاذ خليل أولاً، نظراً لأنه يتقبّل الحكايات و الروايات الغريبة، ثم ثانياً مع الأستاذ فيصل، نظراً لخبرته في الرياضيات و العلوم و احتمال أن يتوصّل إلى الاتجاه الصحيح في إدارة الدفّة. و اقترح سالم أن يتحدث إلى الكابتن جلال، لأنّه أقدم الموجودين في المكان، و سالم يتصور أن يكون للكابتن بقوّته و عضلاته الدورالأساسي في تحريك الدفّة.
و لكن قَبْل الحديث معهم، كان لا بد من مرور بضعة أيام، يلتزم فيها وليد من جديد بالدوام في الحصص، كي يحصل على تقدير الأستاذين، و كان لا بد أيضاً من زيارة سالم للكابتن جلال، و إقناعه بالانضمام إليهم بعد طول غياب. أما سالي فقد كانت تجلس في المطعم و تثرثر هنا و هناك حول السرّ الخفي الذي سيكتشفه الجميع ذات يوم.
و هكذا، تم ترتيب كل الأمور، نزل وليد و سالم و سالي و الكابتن جلال و الأستاذ خليل و الأستاذ فيصل وباقي التلاميذ إلى القبو، لم تتم دعوة الكبار و كبار السن، بل طَلب منهم الأستاذان البقاء في الطابق الأرضي احتياطاً لأي طارئ، و لرصد نتائج التجربة.
تحلّق الجميع حول الدفّة، حاولوا إدارتها إلى جهة اليمين، لم تتحرك، إلى اليسار، لم تتحرك. ثم أمر الأستاذ فيصل بسحب الدفّة إلى الأعلى، كما نفعل حين نسحب زرّ الساعة الأوتوماتيكية لتعديل الوقت، و يا للمفاجأة ! لقد انسحبت الدفّة، و هنا اتجه الجميع يميناً و أخذت الدفة تدور، و تدور، و تدور، و تناهت إلى الدائرين في القبو صيحات التهليل و السعادة من الطابق الأرضي. لقد نجحنا إذن ! و استمروا في الدوران و الدروان إلى أن ملأ النورُ غرفة القبو. و صاح الكابتن جلال :
ـ لنصعد إلى فوق !
تدافع الجميع على الدرج إلى الأعلى، و خرجوا من باب القلعة، اختفت الغابة، لا شيء سوى العشب الأخضر النديّ، و على مسافة تبدو قريةٌ من بضعة بيوت متقاربة.
يصيح وليد :
ـ إنها القرية التي أقضي فيها مع أهلي العطلة الصيفية، أنا متأكد.
و تصرخ سالي :
ـ يا للروعة، و أخيراً سأرى مكاناً جديداً آخر !
و يتراكض الصغار و الكبار و كبار السن، متوجهين إلى القرية، بينما يُلقي سالم نظرة أخيرة على القلعة التي لم تعد سحرية، و لم تعد تبدو على شكل فصول أربعة، و يقضم آخر حبة من البندق، ثم يركض هو الآخر في طريقه إلى القرية.