نسرين إمرأة متزوجة في الخامسة و الأربعين من عمرها تقول في مذكراتها :
منذ مدة و أنا أشعر أني محبطة، و يزداد هذا الشعور حين أنظر إلى نفسي في المرآة فأرى التجاعيد تغزو بشرة وجهي من جهة العينين و الذقن..
أنا أكره التجاعيد منذ أن كنت صغيرة، و عندما كنت أنظر إلى وجه جدتي المملوء بالتجاعيد أشعر بالاشمئزاز، و يزداد اشمئزازي حين تضمني إلى صدرها و تمطرني بوابل من القبلات..
كرهي للتجاعيد جعلني أعتني ببشرتي بشكلٍ استثنائي، و يمكنني أن أقول : أنا مدمنة على شراء الكريمات و المرطبات، و أواظب على دهن وجهي و دلكه بها كل يوم عدة مرات..
كل من يراني لأول مرة كان يعلق بإطراء على نضارة بشرتي، و لكنني مؤخراً بدأت ألمح تغيراً ملحوظاً على بشرتي...
بعد أشهر عديدة من تجريبي لأنواع أخرى من الكريمات و الدهون اتضح لي أن السبب يعود إلى التقدُّم في العمر، و أن العطّار لا يمكنه أن يصلح ما أفسده الدهر..
أكثر ما يزعجني و يؤلمني تعليقات زوجي الساخرة، حين يراني أطيل من الوقوف أمام المرآة، و أنا أدهن وجهي و أدلّكه..
البارحة تسببت تعليقاته في حدوث مشكلة كبيرة بيني و بينه، كادت تعصف بعرى الزوجية..
كنا نشاهد مسلسلاً درامياً في التلفاز، و كانت بطلة المسلسل فتاة جميلة في العشرين من عمرها، و قد لاحظت أن زوجي حسن كان ينظر إليها بإعجاب شديد، فاغتظت و رحت أبخّس من شأنها و أحط من جمالها..
كانت ملاحظتي في محلها، فقد راح حسن يدافع عنها دفاع المستميت، مما جعلني أستنفر و أخوض في تبخيسها أكثر فأكثر..
تابع حسن دفاعه، و تابعت هجومي، و انقلب الأمر بعد دقائق إلى حرب حقيقية بيننا، حين علّق ساخراً :
أنا أعرف أنك تغارين منها لأنها أجمل منك و أكثر نضارة و حيوية..
بالرغم من أنني تصالحت مع حسن بعد ساعتين من المشكلة إلا أن مشاعر اليأس و الإحباط ما تزال تسيطر علي، فقد بدأت أدرك أنني لم أعد فتاته الهيفاء، و أنا الآن أتخوّف من الأيام القادمة التي ستأكل من نضارتي و شبابي، و أظنها ستزيد في آلامي و بؤسي و شقائي..
**********************
اليوم اجتمعنا أنا و جاراتي في بيت جارتنا مدام سوسن..
مع أن معرفتي بمدام سوسن مضى عليها أكثر من خمس سنوات، إلا أنني لم أعرفها اليوم عندما فتحت لي الباب..
سلّمت عليها و أنا أقول :
- لا شك أنك أخت سوسن..
فاجأتني عندما ضحكت بصوت مرتفع، و فاجأتني أكثر عندما أعلمتني أنها سوسن..
فيما بعد علمت أن جميع جاراتي لم يعرفن أنها سوسن، و أن منهن من ظنها جارة جديدة و أخريات ظننها قريبة لسوسن..
أخبرتنا سوسن عن مغامراتها مع عمليات التجميل المتتالية التي أجرتها لتصغير أنفها و نفخ شفتيها و شد بشرة وجهها..
بدت لنا سوسن أصغر عمراً و أجمل من قبل عشرات المرات، و كان هذا أمراً مثيراً بالنسبة إلينا، و قد حاز على اهتمامنا و دردشتنا طوال فترة الزيارة..
رجعت من الزيارة بعد أن حصلت على اسم الطبيب الذي أجرى العملية لسوسن و رقم هاتفه، و أنا الآن مصممة على إجراء عملية تجميل لأنفي و شفتي و بشرتي، تماماً كما فعلت سوسن..
**********************
منذ يومين زرت طبيب العمليات التجميلية الذي دلتني عليه جارتي سوسن..
أدهشني عندما قدم إلي كتالوجاً يحوي صور المشاهير من المطربين و الممثلين في العالم، و هو يقول :
- تفضّلي مدام نسرين.. اختاري الشكل الذي ترغبين به..
لم أفهم ماذا يقصد، فهززت رأسي و أنا أنظر إليه باستغراب.
فأردف يقول : ادرسي هذا الكتالوج جيداً و حدّدي لي شكل الأنف و الشفاه الذي ترغبين به..
لم يكن من الممكن أن أتخذ قراراً كهذا في دقائق، و لذلك عدت إلى منزلي و أنا أحمل كنزي الثمين بفرح، و تواعدت مع الطبيب على أن أزوره في الغد..
في المساء عقدت مع زوجي و أولادي جلسة استشارية، و بعد نقاش و تداول للآراء، تمّ اتفاقنا على ان أجعل شكل أنفي يشبه أنف ممثلة فرنسية، أما شفتاي فقد اخترت لهما شكل شفتي مطربة أمريكية..
عقّبت ابنتي روان ضاحكةً :
- سوف تصبح ماما إمرأة هجينة.. أي خليط من عربية و فرنسية و أمريكية..
ضحك الجميع باستثنائي، فقد كنت مشغولة الذهن بترتيبات العملية و ما قد تسبّبه من آلام..
*********************
البارحة بدأت بإجراء أول عملية تجميل، و هي عملية تصغير الأنف، و أجّلت نفخ شفتي و شد بشرة وجهي إلى وقتٍ لاحق نزولاً عند رأي الطبيب..
من جهتي أنا فقد كنت أرغب أن أجري هذه العمليات دفعةً واحدة، و لكن الطبيب يرى أن هذا سيكون مؤلماً جداً، و أن الصبر و التريُّث ضروري لنجاح العملية..
عندما صحوت من البنج أحسست بآلام رهيبة في أنفي، و استمرت معاناتي مع الألم لمدة ثلاثة أيام بشكلٍ متواصل..
و عندما نظرت إلى وجهي في المرآة لأول مرة و رأيته منتفخاً و قد غطّت الضمادات أنفي و جزءاً من وجهي انزعجت كثيراً، و لكن انزعاجي لم يلبث أن زال حين تذكرت الصورة الجديدة التي سيظهر عليها أنفي قريباً، و قد بدا رائعاً كأنف الممثلة الفرنسية التي رأيتها في الكتالوج..
أنا الآن أعد الأيام و الساعات و أعيش على أحرِّ من الجمر في انتظار رؤية أنفي الجديد، فقد أخبرني الطبيب أنني سأخلع الضمادات بعد أسبوع..
******************
منذ أسبوعين ذهبت إلى الطبيب و خلعت الضمادات..
لم أستطع الانتظار حتى أعود إلى البيت، فطلبت إلى الممرضة أن تجلب لي مرآة لأمتع نظري برؤية أنفي الجديد..
لم أعرف سر تلكؤها و ترددها إلا حين أحضرت المرآة بعد إلحاح مني، و كاد يغمى علي من الصدمة، فقد كان أنفي كبيراً و بارزاً و مرتفعاً من أسفله..
باختصار صار أنفي أقبح مما كان عليه من قبل، و لا يشبه أنف الممثلة الفرنسية من قريب أو بعيد..
بكيت و صحت و تألمت، و لكن الطبيب أخبرني أن هذا أمر طبيعي في الوقت الحالي، و أن علي أن أنتظر بضعة أيام ريثما يزول الانتفاخ الذي تسبّب به العمل الجراحي..
صدّقت مقولة الطبيب، و مضى الأسبوع الأول بعد إزالة الضماد، و ما يزال أنفي كبيراً و بارزاً و مرتفعاً من أسفله..
ذهبت إلى الطبيب مغضبة، و لكن الطبيب ظلّ على مقولته بأن عليّ أن أنتظر عدّة أيام أخرى ليزول الانتفاخ الذي تسببت به العملية الجراحية..
مضت الأيام تلو الأيام و شكل أنفي لم يتحسّن، أنا الآن أشعر بالندم يلتهم آخر قطرة من سعادتي و يزيد في بؤسي و شقائي..
*******************
لم أستطع أن أتاقلم مع شكل أنفي الجديد، و أتمنى من كل قلبي لو أنه يعود كما كان..
أصبح بيني و بين المرآة شبه عداوة بعد أن كانت صديقتي الدائمة، فلم أعد أنظر إلى وجهي في المرآة إلا نادراً و بالصدفة، إلا أن هذا لم يفدني كثيراً في نسيان مصيبتي، فزوجي و أولادي و معارفي و أصدقائي لا يفتؤون يذكّروني بمآساتي، و يقلِّبون عليّ المواجع..
لا يمكنني أن أنسى ردة فعل جارتي أم مروان عندما زارتني، فقد تسمّرت أمام الباب و شهقت و هي تنظر إلي، ثم رددت بغباء :
- و الله أنفك القديم كان أحلى بألف مرة..
تظاهرت أمامها بأنني مقتنعة بمظهري الجديد، و لكنني بعد ذهابها استسلمت لنوبة من البكاء، و لعنت الساعة التي انجررت فيها وراء هلوسات جارتي سوسن و طبيبها المأفون..
******************
منذ أيام اكتشفت أنني فقدت حاسة الشم إلى الأبد..
كنت وحدي في المنزل، و شعرت بالنعاس فجأة، فدخلت المطبخ و وضعت ركوة القهوة على الغاز، فاتصلت صديقتي سعاد و تكلّمنا مطوّلاً عن أمور عديدة، و نسيت أمر الركوة الموضوعة على الغاز..
بعد نصف ساعة قدم زوجي إلى المنزل، و صاح بأعلى صوته، و هو يهرع إلى المطبخ و يغلق أنبوب الغاز و يفتح النوافذ :
- ما هذا يا نسرين ؟ ألا تشمين رائحة الغاز تملأ المنزل !!
يمكنني أن أقول : إنني كنت أحس بوجود مشكلة في حاسة الشم لدي بعد أن أجريت تلك العملية المشؤومة لأنفي، و كنت أظنه أمراً مؤقتاً، و لكنني اليوم اكتشفت أنه غير مؤقت..
ذهبت بصحبة زوجي إلى طبيب متخصص في الأنف و الأذن و الحنجرة، وبعد إجراء الفحوصات المطلوبة أخبرني بأنني فقدت حاسة الشم للأبد، وأن السبب يعود إلى العملية التجميلية التي أجريتها لأنفي..
صحت بألم و استغراب :
- و لكن صديقتي سوسن أجريت نفس العملية و عند نفس الطبيب و لم تفقد حاسة الشم..
ابتسم الطبيب، و قال بلهجةٍ رقيقة :
- مخاطر العمليات التجميلية كثيرة يا ابنتي، و لكن هذا لا يعني أن يصاب بهذه المخاطر جميع المرضى على التساوي، بل الأمر متروك للحظ..
أنا الآن اعض أصابع الندم، و أرجو الله تعالى أن تتوقف الآثار الضارة للعملية عند هذا الحد..
********************
منذ مدة و أنا أحلم بإعادة شكل أنفي كما كان، أو في أقل الدرجات أن أصلِّحه قدر المستطاع..
سألت هنا و هناك عن أطباء ثقات متخصصين في طب التجميل، و لم أترك طبيباً مشهوراً إلا و استشرته، و كان جوابهم متشابه تقريباً :
إن إجراء عملية تجميلية أخرى لأنفي ليست مضمونة النتائج، و نسبة النجاح لا تتجاوز الأربعين بالمئة..
طبعاً قررت أن لا أغامر مرة أخرى، لأن المغامرة قد تعني احتمال الفشل بنسبة 60 بالمئة، و هي نسبة كبيرة و خطيرة..
أنا الآن أشعر بالنقمة على الطبيب الذي أجرى لي العملية لأنه شوّه أنفي من جهة، و لأنه لم يخبرني عن مخاطر العملية من جهةٍ ثانية..
أستطيع أن أقول بعد جولاتي الكثيرة التي قمت بها في زيارة أطباء التجميل : إن كثيراً من الأطباء المتخصصين في العمليات التجميلية لا يهمهم إلا جمع المال و تكديسه، و لذلك فإنهم يحاولون تحويل البحر إلى طحينة، مؤكدين لزبائنهم أنهم قادرون على تنفيذ الشكل الذي يرغبون به، و يغفلون الحديث عن المخاطر و نسبة الفشل و الآثار الجانبية السيئة..
طبعاً لم يأت هذا الاستنتاج من فراغ، فقد اجتمعت شخصياً بالكثيرين أمثالي من ضحايا أطباء العمليات التجميلية أثناء ترددي على عيادات أطباء التجميل..
أذكر من هؤلاء الضحايا فتاةٌ اسمها شيرين، و هي في العشرين من عمرها، رغبت في نفخ شفتيها تقليداً لإحدى الممثلات.
أخبرتني شيرين أنها ذهبت إلى طبيب العمليات التجميلية، و بيدها صورةٌ لممثلتها المحبوبة، و طلبت منه أن يغيّر شكل شفتيها، لتصبحا شبيهتين بشفاه صاحبة الصورة.
هزّ الطبيب رأسه موافقاً، و حدّد لها موعداً لإجراء العملية، دون أن يحدِّثها عن المخاطر المحتملة.
تمّت العملية بنجاح حسب توصيف الطبيب، و عادت إلى المنزل محمّلة بكيس من الأدوية المضادة للوزمات و الالتهابات.
عندما أزالت الضماد الذي يغطي شفتيها بعد أيام من العملية، لاحظت انتفاخاً في خدها من الجهة اليسرى، لكنها لم تشغل بالها كثيراً، فقد برّرت ذلك بأنه من مخلّفات العمل الجراحي، و أنه سيختفي بعد أيام قليلة.
لكنَّ ما جرى كان على عكس ما توقعت، فلم يختفِ الانتفاخ، بل بدأ يزداد يوماً بعد يوم..
هرعت إلى الطبيب، الذي تردد قليلاً ثم قال : لا تقلقي.. سيزول الانتفاخ بعد أيام.
عادت إلى منزلها و بيدها كيسٌ ثانٍ من الأدوية.
مضت الأيام و الانتفاخ في شفتها و خدّها آخذٌ بالزيادة بدلاً من التماثل للشفاء.
غيّرت الطبيب مرةً و مرتين وثلاثة، و كان كل طبيبٍ ينصحها أن تتأقلم مع وضعها الجديد، لأنَّ إجراء عمليةٍ أخرى قد يزيد الطين بلّة !
أما ميسون و هي امرأة في الأربعين من عمرها، فقد رأيتها عند الطبيب و قد انتفخ جفنها السفلي من جهة عينها اليمنى، بينما انكمشت عينها اليسرى لتصبح أصغر من أختها..
أخبرتني ميسون أنها أجرت عملية تجميل لبشرتها، و أن الطبيب حقن بشرتها بمادة تدعى البوتكس، ادّعى أنها ستساهم في شد بشرتها، لتبدو و كأنها فتاة في العشرين أو الثلاثين من عمرها..
لكن هذه المادة الكيميائية تفاعلت بشكلٍ سيء مع بشرتها، و أدّت إلى تشويه وجهها، و إظهارها بعمرٍ أكبر من عمرها بعشر سنوات على الأقل..
أنا الآن على الرغم من آلامي و مأساتي، أحمد الله تعالى أن الأمر توقف في حدود أنفي، و لم ينضم إليه مأساة أخرى في شفتي كما حدث لشيرين أو في بشرة وجهي كما حدث مع ميسون..
وأسوقها لكم نصيحة يا نساء :
إياكن و العمليات التجميلية، فهي موضة ظاهرها الجمال و الرحمة و باطنها العذاب و اللعنة..