قصة قصيرة
البديل
(1) الحلقة الأولى
المقدمة :
للحرمان أشكال و أنواع و مستويات و درجات، فقد يكون مادياً أو معنوياً أو عاطفياً و نفسياً، و يكاد لا يخلى منه إنسان. و لكن هناك ضوابط معينة قد لا تجعله مشكلة و يبقى مُسيطَراً عليه ضمن حدود طبيعية غير مؤذية للفرد أو لمن حوله، و أهم هذه الضوابط : الرادع الديني و التربية السليمة للأخلاق و السلوك و المستوى الثقافي و الحضاري .... و لكن عند غياب إحدى هذه الضوابط، يصبح الحرمان كارثياً فظيعاً بل و رهيباً، يؤذي صاحبه و يؤذي من حوله ... هذه المشكلة موجودة و مطروحة في مجتمعنا و بقوة ... نسمع القصص عنها، و لكن لا أحد يلقي لها اهتمام أو يسلّط عليها الضوء لنشر الوعي بين الناس، و لا حتى التفكير بالخلفية و لا بالأرض التي تنبت عليها مثل هذه الانحرافات السلوكية التي تولد المآسي و المشكلات في مجتمعٍ أقل ما يقال عنه أنه مجتمع متخلّف و للأسف.
****************************************************************
كانت في السادسة عشرة من عمرها، جميلة فتية تضجُّ حيويةً و طاقة و كان لها من اسمها نصيب .... فتون .... فقد كانت تفتن من ينظر إليها، وجه و جسم رائعاً التكوين، قامة طويلة ملتفة و شعر طويل يصل إلى منتصف ظهرها، و تقاطيع فتاة مراهقة بالكاد قد تفتّح البرعم على جمالٍ ملفت و أخّاذ....
كانت فتون يتيمة الأب منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات، و هي تعيش في كنف والدتها و لوحدهما في بيت كبير يقبع في حي راقي وسط دمشق ... عائلة صغيرة بموارد مالية كبيرة جداً، أمها تعمل في منظمة دولية و راتبها بالعملة الأجنبية ... فهي متعلمة، و لكن ليس كل متعلِّم مثقّف، بالإضافة إلى إرثٍ كبير حصلت عليه الأم و الابنة بوفاة والد فتون، و كذلك إرث من جدها لإمها ....
فقد ولدت فتون و في فمها ملعقة من ذهب كما يقال، فكل وسائل الراحة و الرخاء متوفرة لديها، فلم تُحرم شيء في هذا العالم من الناحية المادية أبداً ... ولكن ؟؟؟ كانت محرومة من العطف الأبوي و السند القوي في كل سنين حياتها القليلة، بالإضافة لإهمال والدتها لها. فقد كانت تعتقد أن المادة و مستوى الرفاهية العالي قد يعوّض هذه الفتاة أي حرمان .... فقد كانت الأم مشغولة جداً بعملها و إثبات ذاتها و حياتها الاجتماعية التي كانت بالكاد تعيشها بشكلٍ طبيعي .... و كانت تترك ابنتها تتربى على أيدي المربيات و الخادمات اللاتي كن من مستوى اجتماعي متدني علماً و ثقافةً و حضارةً ... و كثيراً ما تعلقت فتون بتلك المربيات ... اللاتي يتبدلن كثيراً حسب رغبة الوالدة المنشغلة و هذا ما ولّد لدى الطفلة التي تشب، مشاعر من السلبية و الإنطواء و الحزن و الحرمان ... الذي كان ينمو معها و يتطوّر في داخلها رويداً رويداً و لا أحد يشعر بها.....
***************************************************************************
كان كل شيء في متناول يدها من وسائل التواصل الكتروني المتعدد و بكل أشكاله المرئية و المسموعة ... و بدون أي رقابة أو توجيه ... شاشات بلازما و سيديات و DVD و أحدث الكومبيوترات المحمولة و الموبايلات، إلى آخره من مظاهر الحياة العصرية الحديثة ..... و مرّت الأيام و الفتاة تشب و تصبح أجمل فأجمل ... كانت صداقاتها محدودة بل لم يكن لها إلا صديقة واحدة مقرّبة و تعتبر الصديقة الأنتيم أو الملازمة لها .... و هي مايا ...
كانت مايا من عائلة غنية من نفس المستوى المادي لعائلة فتون أو فوفو .... كما تدلعها أمها و أقاربها و صديقات المدرسة ... و لكن مايا كانت تحظى بوضع عائلي أفضل من حيث الإستقرار و العناية، فعائلتها مؤلّفة من والدها و هو رجل متزن في الخمسينيات من عمره .... و والدتها في الأربعينيات من عمرها و هي متفرّغة كلياً لزوجها و أولادها و بيتها ... و لها أيضاً أخّان صغيران أحدهما في الثامنة من عمره و الآخر في الخامسة من عمره، و كم كان يستقطب هذا الطفل الجميل أخته مايا و صديقتها فوفو ليلاعباه و يستمتعان بطفولته الحلوة .... كانت فوفو تحب زيارة صديقتها كثيراً، فهي تشعر بالجو العائلي المستقر و الجميل بعيداً عن بيتها الموحش الذي تعاني فيه من الوحدة و الملل، و كانت والدتها تسمح لها بهذه الزيارات الطويلة و المتكررة لمعرفتها الوطيدة بعائلة مايا، و التي تقطن بنفس الحي، و عائلة مايا ترحّب دائماً بفوفو لأنها تعلم لا أحد معها في فترة غياب أمها الطويلة عن المنزل، فباتت تعتبرها واحدة من أفراد العائلة .... و مرّت الأيام بسلاسة و هدوء ....و في يوم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يتبع