قصة قصيرة
البديل
(2) الحلقة الثانية
و في يوم و بعد الدوام المدرسي .... وجدت فوفو نفسها وحيدة في بيتها و ليس لديها واجبات مدرسية تُذكر ... فتوجّهت إلى منزل صديقتها مايا لتقضي عندها فترة ما بعض الظهر على الإنترنت كما اعتادتا عندما يكون لديهما فراغ .... و قرعت جرس الباب .... و بعد لحظات فتح نادر والد مايا الباب بهدوء فسلمت عليه فوفو كعادتها ... و دخلت البيت فوراً ... و لم تستأذن أو تنتظر بالسماح لها بالدخول .... و كان ذلك شيئاً عادياً بالنسبة لها و بالنسبة لنادر ... فوجدت البيت ساكناً هادئاً تماماً فالتفتت إلى والد صديقتها مستفسرة ... و قالت : أين مايا و الأولاد و تانت.. عمو ؟ ... فأجابها نادر بأن جدة مايا والدة أمها متعبة و مريضة و ذهبوا جميعاً لزيارتها و الإطمئنان عليها ... فقد كانت أم مايا هي من ترعى والدها و والدتها فليس لهما غيرها لأن أختها و أخيها مسافران و هي من بقيت لهما ... و كثيراً ما كنت تستغل فترة ما بعض الظهر لزيارتهم و العناية بهم و لكنها كانت لا تصطحب الأولاد معها إلا على فترات متقطعة ... لأن والديها كبيران في العمر و لا يحبّان الضجيج ... فقد كانت أم مايا تغيب عن البيت كثيراً بسبب ذلك .... و لكن اليوم أرادت والدتها رؤية الأولاد فاصطحبتهم معها هكذا قال لها نادر ..... سكتت فوفو قليلاً و همّت بمغادرة البيت ... و لكن جاء ببالها سؤال من أجل أن تكون لبقة : ماذا تفعل عمو الآن ؟؟ أتريد أن أفعل لك شيء ... فنجان قهوة أو فنجان شاي قبل مغادرتي ..... قال نادر : شكراً يا فوفو ... أبداً لا أريد شيئاً فأنا منهمك في إعداد الرسومات الخاصة بديكورات لفيلا في ضواحي دمشق ... _ فقد كان مهندس ديكور مرموق و معروف في أوساط الطبقة المخملية في المجتمع الدمشقي _ .. هنا قالت فتون : ياي ممكن شوف شغلك عمو إذا ما في عندك مانع ... قال لها : أبداً أبداً تفضلي لغرفة المكتب .... و جلسا على أريكة مريحة و أخذ يشرح لها فكرته للديكور من خلال رسوم قد رسمها و دون أن يلاحظ أنه كان يتكلم عن مشروعه لفتاة صغيرة مراهقة ؟ بل كأنه كان يتكلم لإنسان مهم جداً .. كان متحمساً جداً و هو يستعرض أفكاره ... ليس لأن فتون هي من تسمعه .... و لكن هناك شخص ! ... أي شخص.. ؟ لو جاء بوقت زيارة فتون و طلب منه شرح فكرته لفعل ذلك بكل سعادة و حبور .... فلم يكن يجد أحد يستمع له و هو يشرح أفكاره أثناء التحضير للعمل و كم كان يحب ذلك .... و لكن لا أحد لديه الوقت أو الاهتمام ليسمع له .... فزوجته مشغولة دائماً بأطفالها و أهلها و بيتها ... و ليس لديها الوقت الكافي لأن تستمع لأفكار على الورق قد تتغير بين ساعة و ساعة .... و مايا مشغولة إما بدراستها و وظائفها و إما بمعاونة أمها أو مع صديقتها فوفو ... و ليس لديها ميول فنية أو إبداعية نهائياً .... هو يعلم أن فوفو صغيرة السن و لا تمتلك أدنى فكرة أو حس فني .... و لكن أولته اهتماماً هو بحاجة له ليعرض أفكاره بصوت عالي فقط .... و بعد أن انتهى من طرح أفكاره و رسوماته .... بقيت فوفو دقائق و هي تنظر إلى تصاميم الديكورات الداخلية ... و هي بحالة من السعادة لا تدري أهي من جمال التصميم أما لأن احدهم اهتم بشخصها و وجودها و أعطاها هذه الحالة الرائعة من الأهمية ... و نتيجة لمستوى فوفو المادي و مستوى عائلتها كانت لديها نظرة و بعض الأفكار الجمالية التي تتعلق بالديكورات، فالمشاهدات المتعددة و الكثيرة في بيوت و فيلل أهلها و صديقات أمها كافية لتكوّن لديها بعض الخلفية لجماليات المنظر و المشهد بالإضافة إلى شفافية روحها البريئة و عصريتها .... استطاعت أن تكون رأي بسيط لتصاميم نادر ... فقالت له : كم هي جميلة هذه التصاميم بالفعل يا عمو .... أنت حقاً مبدع بل فنان ... و لو أن هناك تصميم واحد لم أحبه كثيراً ... و أرجو أن تعذرني لصراحتي و جرأتي ... طبعاً أنا لا أملك خبرتك و لا نظرتك و لا حتى شيء من إبداعك .... و لكن هي مسالة أذواق لا غير .... لو أنك أضفت في هذا الصالون الواسع جداً حائطاً واحداً هنا .... ( و أشارت لإحدى الرسومات الموجودة أمامهما ) و جعلته لوحة فنية برسم يدوي بألوان تناسب ألوان الدهان و الفرش .... لكسرت هذه المساحة الكبيرة دون داعي و أضفت لمسة فنية جديدة و جمالية رائعة ... فقد وجدت الصالون جامد الصورة لا حركة فيه .... هنا تعجّب نادر جداً من كلام فتون .... و استغرب هذا الكلام الصادر عن فتاة مراهقة صغيرة السن ....؟؟؟ و أُعجب جداً بفكرتها و قال لها سأفكّر بها حقاً ... و من ثم ودّعت فتون نادر و ذهبت إلى بيتها تلفها مشاعر من السعادة لا تعرف سببها ألانها شاركت بشيء ... أو أن فكرتها كانت جميلة .... أو لأن نادر اهتم برأيها و هو المهندس الناجح و المبدع ... أم لن شخصيته الحلوة أضفت على هذه الزيارة شعور غريب .... لليوم فقط لاحظت كم هو وسيم بهذا الشعر الذي يتخلله الشيب مع شباب القسمات ... و هذا القوام الرياضي بالرغم من أنه على أعتاب الخمسين من العمر ....
جمال و هيبة و أكابرية و إبداع .... هنيئاً لمايا على هذا الأب إنه مصدر فخر و قوة بالنسبة لها... هكذا كانت تحدّث نفسها ... و شعرت بغصة و قهر في قلبها ... فهي دون أب منذ أن وعيت على هذه الحياة .... كم كانت تتمنى أن يكون هناك رجل في حياتها قريب منها يحبّها و يحنو و يخاف عليها ... رجل قوي لا تخشى شيئاً و هي بجانبه .... قوة و سند.. فلا أحد يعرف قيمة هذه المعاني إلا من فقدها .... و سهرت فتون ليلتها لساعة متأخرة من الليل ... لا تعرف ماذا حصل لها فهي لم تتوقف عن التفكير بنادر ؟! .. والد صديقتها الأنتيم .... أما نادر فبعد مغادرة فتون ... أخذ يفكّر بالفكرة التي طرحتها و وجدها فعلاً مناسبة و بمكانها ... و قال في نفسه بالرغم من صغر سنها فهي ذكية و لديها حس فني .... ثم تذكّر كم هي جميلة و فاتنة ... فقال في نفسه ما شاء الله، الله يحفظها و يرسل لها و لمايا أيام جميلة ... لم يتعدّى شعوره أكثر من ذلك و أكمل يومه بشكلٍ طبيعي تماماً .... و مرّت الأيام .... و أصبحت زيارات فتون متكررة و متقاربة ... و في كل زيارة و عندما تصادف نادر تراسله من خلال عينيها البريئتين بنظرات الإعجاب و الإنبهار .... و تحاول أن تبعث له بإشارات للفت نظره من خلال لباسها المتحرر و حركاتها ( الأُوفر )...... و كان نادر يتجاهل ذلك و يعاملها كما يعامل ابنته تماماً .... و لو أن شيئاً ما بدأ يتحرك داخله يشبه الإعجاب و هو يكبته بكل قوة .....
و ما أن انتهت المدرسة .... و بدأت العطلة الصيفية .... حتى قرر نادر أن يأخذ عائلته رحلة إلى الساحل السوري حيث البحر و الجبل و الاستجمام و الراحة و السباحة و اللهو ... و بدأت العائلة تتحضّر لهذه الرحلة و طلبت أم مايا من زوجها اصطحاب والدتها و والدها لهذه الرحلة لتغير الجو فذلك يبعث و يجدد النشاط فيهما فتتحسن صحتهما على أن يكونوا في شاليه منفصلة و ملاصقة لهم .... لم يستطيع نادر التهرُّب مع عدم ارتياحه للموضوع بل كان غاضباً ساخطاً و لكن دون أن يبدي هذه المشاعر المكبوتة فهو يريد أن يأخذ مع زوجته فترة من الراحة دون مسؤوليات و يتفرغان لبعضهما البعض فهو بحاجة لها فهي دائماً غائبة عنه ..... و لكن لا بد أن يسايرها فالواجب و اللباقة تتطلّب ذلك ..... و بنفس الوقت علمت فوفو بمشروع العائلة السياحي ... و كم تمنت مرافقتهم.... و طرحت الفكرة على والدتها التي رفضت هذا الأمر .... لا لشيء ... إلا أنه غير وارد ... و هو تعدي على خصوصية العائلة .... في حين أخبرت مايا عائلتها برغبتها القوية لاصطحاب فوفو .... صديقتها الغالية معهم و رفض أمها لهذا الأمر .... ؟؟ أما أم مايا فلم يكن لديها أي مانع أن ترافق فوفو ابنتها فهما صديقتان منذ الصغر و لا بد أن تسعد مايا بوجودها و تقضي عطلة مميزة معها ... فقالت أم مايا لابنتها : اتركي الموضوع لي و أنا سأقنع أمها حتى توافق ..... شعر نادر هنا براحة و سعادة لا يدري لماذا ؟؟؟؟...........................
يتبع